الرواية المغربية والتخييل التاريخي:”جزيرة البكاء الطويل” لعبد الرحيم الخصار نموذجا

عبد الكبير الميناوي

ملخص البحث:

يتناول هذا المقال بالقراءة والتحليل رواية “جزيرة البكاء الطويل” للشاعر والكاتب المغربي عبد الرحيم الخصار، التي يستعيد فيها سيرة مصطفى بن حدو الأزموري، المشهور بلقب “استيفانيكو”.

ينطلق المقال من جملة ملاحظات حول علاقة الرواية المغربية بالتاريخ، وعلاقة الماضي بالحاضر، طارحا جملة أسئلة على علاقة بطبيعة ومبررات التناول، من قبيل: لماذا العودة إلى التاريخ لكتابة رواية؟ هل تسعى الرواية إلى “إعادة كتابة” التاريخ بهدف “ملء” فراغاته لإعادة إنتاجه إبداعيا، أم لمحاكمة الحاضر، بمبرر “تشابه الظرف” بين أحداث الزمنين، في ما يمكن أن يسمى بــ”وحدة التجربة الإنسانية في مراحل كثيرة من التاريخ حتى وإن بعدت المسافة”، بشكل يبين أن “الألم الإنساني واحد”، وكيف يستثمر مبدع تجربته الشعرية، في كتابة سردية لها مقوماتها ومتطلباتها الخاصة؟ كيف ترتسم الحدود بين الشعر كتجربة إبداعية لها خصوصياتها، والتاريخ كوقائع تنقلها كتابات المؤرخين ومراجع شهود العيان، والرواية كشكل فني له ضوابطه ومتطلباته؟

لعلها أسئلة، من بين أخرى، تستدعيها وضعية القراءة في رواية مغربية ليست الوحيدة التي ركزت على شخصية الأزموري. قراءة ترصد مفاتيح السرد، فيما تتوقف عند لغة الكتابة وأسئلتها في علاقة الكتابة الروائية بالكتابات التاريخية من جهة، وإسقاط الماضي على الحاضر من جهة ثانية، من دون إغفال أننا بصدد رواية كتبها صاحبها بعد أن استبد به سؤال “كيف استطاع شاب مغربي أن يتحول في القرن السادس عشر من عبد إلى رمز تاريخي؟”.

الكلمات المفتاحية: الرواية المغربية – جزيرة البكاء الطويل – عبد الرحيم الخصار – التاريخ – الماضي – الحاضر – مصطفى بن حدو الأزموري – استيفانيكو – الذهب – عبد – ابن الشمس – رمز تاريخي – شعر – سرد –

Summary:

This article covers the reading and analysis of the novel “The Island of The Long Crying” by the Moroccan poet and writer Abderrahim El-Khassar, in which he recalls the biography of Mustafa bin Haddou El-Azemmouri, known as Estevanico.

The article states a number of remarks on the relationship of the Moroccan novel with history as well as the relationship between the past and the present, raising a number of questions  that are related to the nature of justifications used to deal with the previously mentioned novel; such as: Why going back to history to write a novel? Does the novel seek to « rewrit » history with the aim of « filling » its voids to reproduce it creatively?, or is it an attempt to judge the present on the concept of the « similarity of the circumstance » between the two times, in what can be called « the unity of human experience in many phases of history, even if the time distance is far? »  to show that « human pain is one »?  How does the creative of his poetic experience invest in writing a narrative that has its own components and requirements? How are the boundaries drawn between poetry as a creative experience which has its own peculiarities and history as facts conveyed by the writings of historians and eyewitness references, and, above all, the novel as an art form with its controls and requirements?

Perhaps they are questions, among others, that the reading situation in a Moroccan novel would raise and that is not the only one that has focused on Estevaniko’s biography.  A reading that monitors the keys to narration, while it stops at the language of writing and its questions in the relationship of fiction with historical writings on the one hand, and projecting the past onto the present on the other hand, without turning a blind eye on the process of a novel written by someone who was overwhelmed by the question “How was a young Moroccan able to transform from a slave to a historical icon in the sixteenth century »

Keywords: he Moroccan Novel – The Island of The Long Crying – Abderrahim El-Khassar – History – The Past – The Present – Mustafa bin Haddou El-Azemmouri – Estevanico – Gold – Slave – Son of the Sun – Historical Symbol – Poetry – Narration

مقدمة:

عرفت الرواية العربية تطورا متنوع الجوانب والمظاهر، من دون أن يفتر أو يتكلس حوارها مع التاريخ[1]، الذي استبد بها منذ طوْرها الأول[2]، بل كان مجالا خصبا للتجريب، وأحد أهم المداخل التي توسل بها الجنس الروائي لإثبات مرونته وقدرته الفائقة على المجاوزة والتجدد[3].

وعلى غرار مثيلاتها في البلاد العربية، سخرت الرواية المغربية، في وقت مبكر، التاريخ مادة لبناء عوالمها، بداية من “وزير غرناطة / لسان الدين بن الخطيب السليماني” لعبد الهادي بوطالب، وصولا إلى “جزيرة البكاء الطويل” لعبد الرحيم الخصار و”أسير البرتغاليين” لمحسن الوكيلي، مرورا بــ”جارات أبي موسى” لأحمد التوفيق، و”مجنون الحكم” و”هذا الأندلسي !” لسالم حميش، وغيرها.

للرواية المغربية، التي عرفت في الآونة الأخيرة تراكما ملحوظا أثار انتباه الدارسين والنقاد في المغرب وخارجه[4]، خصوصياتها، مقارنة بنظيرتها في باقي البلدان العربية، على الأقل، في ما يتعلق بسياق نشأتها وطبيعة تحولاتها ولغات كتابتها، لكن من دون أن يعني ذلك فصلها عن التطور العام للرواية العربية، سواء في ما يتعلق باستلهام التاريخ في كتابتها، أو تناول عدد من الهواجس والقضايا التي طبعت تاريخ المنطقة، منذ بداية عصر النهضة، ووجدت لها حضوراً في منجزها الإبداعي، من منطلق أن “قضايا الرواية العربية هي، بشكل أو بآخر، قضايا المجتمع العربي، متعددة ومتنوعة ومتشعبة تشعب وتنوع وتعدد قضايا الإنسان العربي في العصر الحديث”[5].

الأدب والتاريخ:

يأتي المبدع المغربي إلى السرد الروائي مثقلا بقضايا الجماعة وهموم الذات، مستحضرا الماضي متفاعلا مع الحاضر، متحملا مسؤوليته ككاتب عليه واجبات إبداعية يتعين احترامها ورسالة إنسانية ينبغي تحملها؛ ومن ذلك أن يقول عبد الكريم الجويطي، عن روايته “المغاربة”[6]: “حين فكرت أن أكتب عن المغرب، كان همي أن أكتب رواية ممتعة فيها كل مقومات الرواية، لم أرد أن أكتب كتاباً عن تاريخ المغرب، بل كتاباً عن المغاربة في الحاضر. كتبت عن التاريخ الذي ما زال ينتج في الحاضر”[7].

لا يمكن لحديث عبد الكريم الجويطي عن التاريخ، في علاقة بما يكتب مغربيا من روايات، إلا أن يثير نقاشا على قدر كبير من الأهمية، حول مبررات ودواعي هذا الكم الروائي المرتبط باستثمار التاريخ في كتابة الرواية، خصوصا ما تعلق منه بجدوى وفائدة هذه العودة بالنسبة للحاضر، انشغالات وانتظارات القارئ، ورسالة المبدع، على حد سواء؛ وهي عودة سعى عدد من المعنيين بالأمر إلى تبريرها وتوضيح دواعيها وخلفياتها، عربيا ومغربيا.

يبدو الروائيون المغاربة على درجة من الوعي بالدوافع التي تقف وراء توسل التاريخ لتشييد عوالم روائية تنفتح على قضايا الحاضر. وبالنظر إلى كم الروايات التي صدرت في السنوات القليلة الماضية، مستلهمة التاريخ، يمكن القول إن الأمر تحول إلى ما يشبه الظاهرة الإبداعية، التي تقوم على التفاعل مع التاريخ، لتقديم نص روائي ينتج “دلالة جديدة لها صلة بالزمن الجديد الذي ظهر فيه”[8]، لذلك تحضر التعالقات بين الماضي والحاضر، لاستخلاص دروس الماضي التي يمكن إسقاطها على الحاضر[9]، في وجهات نظر الروائيين المغاربة، ومن ذلك أن يقول حسن الوكيلي، إن روايته “أسير البرتغاليين”[10]، هي “مغامرة سردية تُسخر الأدب والتاريخ لأجل فهم أدق للحاضر”[11]، مادام أن “الخطاب عن الماضي هو في الآن ذاته خطاب عن الحاضر”[12]؛ ومن هنا “تكون العودة إلى الماضي حاسمة في فهمنا لما يجري اليوم ولما يمكن أن يحدث مستقبلاً”[13]. فيما يقول الخصار، عن تجربته الخاصة في “جزيرة البكاء الطويل”: “لم أفكر في كتابة رواية تاريخية، وحتى وأنا أكتب لم أكن منتبها إلى أنني غارق في عمل تاريخي. ذلك أني انجذبت بالأساس إلى شخصية الأزموري[14]، ربما الجانب النفسي كان لدي ذا أولوية على المسألة التاريخية. التاريخ في الغالب ذريعة ومتكأ. لكن الجوهري هو الشخصية التي تخلق الأحداث. هناك تمثال الآن لمصطفى الأزموري[15] في أميركا، ومعهد يحمل اسمه. كيف استطاع شاب مغربي أن يتحول في القرن السادس عشر من عبد إلى رمز تاريخي؟ هذا السؤال وحده يدعو إلى الكتابة ويحفز عليها؟”[16].

بهذا، يبدو سؤال العودة إلى الماضي مشروعا، خصوصا في علاقة مع “الحاضر الذي يمكن أن يوجه الكاتب نحو موضوع يلتمس فيه دواء لأرقه”[17]، لتصير الرواية، في كثير من نماذجها، “استعارة عصر غابر لتمثيل روح العصر الحاضر”[18].

بين الماضي والحاضر:

لا شك أننا نكون في “جزيرة البكاء الطويل” مع ما ينقل للحاضر على مستوى التحولات التي يعيشها الكاتب ويتفاعل معها، في عالم يـُــقاد نحو بربرية جديدة، تكبر فيها الجيوش والوسائل الفتاكة، وتصغر فيها القيم والمواثيق الدولية والأعراف[19]، فلا يجد الكاتب إلا أن يتعاطف مع غرقى البؤس، في أميركا اللاتينية والمغرب العربي ودول أفريقيا جنوب الصحراء وشبه القارة الهندية والصين، الذين يحلمون بتأشيرة مستحيلة أو يقامرون بحياتهم من أجل الوصول إلى الضفة المحرمة، لأن العديدين ألقي عليهم القبض على الشواطئ الإسبانية أو الإيطالية، وآخرون، أقل حظاً رسوا في أعماق البحر[20].

يبقى المثير في رواية الخصار أن القارئ كلما تقدم في قراءتها صادف ما يحرك في داخله مقروءا سابقا، على علاقة بالحاضر، يؤكد مقولة أن “الظلم الإنساني” واحد، مهما اختلف المكان والزمان؛ ومن ذلك أن يقرأ على لسان استيفانيكو: “كنت أسأل نفسي في ما مضى: “لماذا ترك هذا الملك المجنون بحار العالم وجاء يبحث عن السمك في نهري وبحري؟ !”. ذكرني يحيى بهذا السؤال القديم ونحن نقف ننتظر. ثم قال: “إنهم يريدون الشابل، ويريدون صياديه أيضا”. حسنا إنهم يريدوننا كخدم وعبيد. لا بأس، فالسنوات الأخيرة كانت سنوات جفاف وشقاء، وربما السنوات القادمة هنا ستكون أسوأ. السماء كانت قاسية معنا، وهؤلاء الأوغاد كانوا أقسى”[21]. سؤالٌ يؤكد “تشابه الظرف” بين الأمس واليوم، مثلا، عند استحضار “حالة حصار” لمحمود درويش، الديوان الشعري الذي يعيد القارئ، مع بداية الألفية الثالثة، إلى وضعية السؤال الحائر، المعبر عن مشاعر العجز والغضب من الآخر، الإنسان، في أنانيته وتجبره على أخيه الإنسان: “إلى شبه مستشرق: ليكُنْ ما تَظُنُّ / لنَفْتَرِضِ الآن أَني غبيٌّ، غبيٌّ، غبيٌّ ، ولا أَلعبُ الجولف / لا أَفهمُ التكنولوجيا / ولا أَستطيعُ قيادةَ طيّارةٍ! / أَلهذا أَخَذْتَ حياتي لتصنَعَ منها حياتَكَ؟”[22].

ليست “جزيرة البكاء الطويل”، الرواية الوحيدة التي تناولت شخصية الأزموري التي تحضر في كثير من الكتابات والوثائق التاريخية التي تناولت سيرته التي يكتنفها كثير من الغموض، هو الذي يتم تقديمه باعتباره من أوائل المغاربة الذين حلوا بأمريكا، وأصبح أول شخص من أصول إفريقية يستكشف جنوب غرب أمريكا؛ علاوة أنها رواية من بين أخرى، اختارت أن تعود بنا إلى بدايات القرن السادس عشر، الذي شكل محطة تاريخية أثيرة لدى عدد من الروائيين العرب. والأهم في كتايات هؤلاء الروائيين أنها تستعيد سير شخصيات بعينها، لتجعلها منطلقا لرصد مسار أحداث ماضية ومحاكمة حاضر مرتبك، من قبيل “ثلاثية غرناطة” لرضوى عاشور و”الزيني بركات” لجمال الغيطاني و”ليون الإفريقي” لأمين معلوف، والتي تستعيد مآسي الإنسان، فيما تستحضر تاريخا مضى وحكايات أفراد وجماعات عاشوا في لحظة مفصلية من تاريخ المنطقة والعالم. فهل هي صدفة أن يكون تاريخ سقوط حسن الوازن[23] (ليون الإفريقي) في يد القراصنة الإيطاليين الذين أسروه بالقرب من جزيرة جربة بتونس، وأخذوه إلى نابولي ثم قدموه هدية إلى البابا ليون العاشر في روما[24]، سنة 1520، قريبا من تاريخ وقوع الأزموري (استيفانيكو)، في الأسر، أو بيعه[25]؟

التاريخ والتخييل:

تستعيد “جزيرة البكاء الطويل” رحلة مؤلمة ومشاهد في غاية البشاعة، تعيد القارئ إلى محطات من القهر الإنساني عاشها العالم في القرن السادس عشر، شملت بطش البرتغاليين بالمغاربة، والمسيحيين الإسبان بالموريسكيين، والأوروبيين بالهنود الحمر في حملاتهم “الاستكشافية” بحثا عن الذهب. أكثر من ذلك، تصير لبعض مضامين الرواية مهمة “إعادة النظر” في ما خطته كتب التاريخ، بمراجعة وتصحيح عدد من الأحداث والوقائع التي تم تناقلها؛ ومن ذلك أن نقرأ فيها، على لسان دورانتيس: “اسمع يا استيبان، ليس هذا الرجل، واسمه كولومبوس، هو أول من وصل إلى العالم الجديد، قبله وصل بحارة من الصين، وقبلهم جميعا وصل رجل من الأندلس. كان ذلك في نهاية القرن التاسع، حيث جمع بعض البحارة الشباب، وانطلق من مدينة ويلبا، وهي المدينة نفسها التي انطلق منها كولومبوس، بل إن رحلات هذا الأخير بناها على إرشادات الأندلسي وخرائطه.

– ما اسم الرجل؟

– الأميرال خُشخاش بن سعيد بن أسْود القرطبي”[26].

هي “مراجعة نقدية” للتاريخ، تجد مبررها في قناعة تشدد على أن “الخيال عند الروائي مقدس والحقيقة مجال للانتهاك”[27]، ما دام أن “التخيل التاريخي”، مادة تاريخية تتشكل بواسطة السرد، “انقطعت عن وظيفتها التوثيقية والوصفية، وأصبحت تؤدي وظيفة جمالية ورمزية”[28]، حيث أن “التخيل التاريخي لا يحيل على حقائق الماضي، ولا يقررها، ولا يروج لها، إنما يستوحيها بوصفها ركائز مفسرة لأحداثه، وهو من نتاج العلاقة المتفاعلة بين السرد المعزز بالخيال، والتاريخ المدعم بالوقائع، لكنه تركيب ثالث مختلف عنهما”[29]، فيما “ظهر على خلفية من أزمات ثقافية لها صلة بالهوية، والرغبة في التأصيل، والشرود نحو الماضي، باعتباره مكافئا سرديا لحاضر كثيف تتضارب فيه وجهات النظر”[30].

تتناوب على سرد أحداث رواية الخصار خمس شخصيات. يتعلق الأمر، فضلا عن استيفانيكو / مصطفى الذي يظهر ساردا لأحداث أربعة فصول، بـ”أماريس”، و”دورانتيس”، و”كابيزا دي فاكا” و”حدو”، الذين يتوزع حضورهم على الفصول الأربعة الأخرى.

اشترى دورانتيس الشاب المغربي من سوق النخاسة في إشبيلية الإسبانية، وقربه منه. وسيصير للأزموري اسم جديد بلقب جديد: استيبان دورانتيس، كما دُفع إلى تغيير ديانته، تفاديا لمحاكم التفتيش، قبل أن يشتهر بلقب جديد: استيفانيكو، ويشارك في الرحلات الاستكشافية إلى أميركا إلى جانب دورانتيس. وبهذا تتوقف الرواية، التي جاءت في 144 صفحة من القطع الوسط، عند ثلاث مراحل متقاربة من تاريخ الظلم الإنساني: مرحلة الاحتلال البرتغالي للمغرب وما عاناه سكان مدينة أزمور والمناطق المجاورة لها بالمغرب؛ مرحلة تهجير الموريسكيين وإرغامهم على تغيير الديانة من الإسلام إلى المسيحية؛ ثم مرحلة الترهيب الذي طال الهنود الحمر من طرف الأوروبيين.

مع تقدم أحداث الرواية، وبالتالي رحلة التوغل في أرض الهنود الحمر، سيتحول استيفانيكو من عبد إلى زعيم وإلى معالج روحي، وسيحظى بلقب “ابن الشمس”. وفي خضم هذه الرحلة الهادفة إلى البحث عن الذهب، سيعيش الأزموري تجربة تأمل وبحث عن الذات، مما نقرأ بخصوصها، على لسانه في هذه الرواية الغاصة بالمواقف التي تسائل الحياة والموت والوجود الإنساني: “ما الحياة؟ وما الموت؟ هما كلمتان. لكننا مجبرون على أن نعيشهما معا. الحياة أعرف عنها الكثير، أما الموت، فقد رأيت وجهه مرارا، وبدا لي مخلوقا غير غريب عني، بل إنه أحيانا يشبهني، كما لو أنه فرد من العائلة، يمكنني مناجاته والتحدث إليه دون وجل”[31].

تبدأ أحداث الرواية من أزمور، على الساحل المغربي. هناك، نتعرف على البطل، استيفانيكو، وهو يأخذ بزمام سرد أحداث أولى فصولها، متلمسا حاضرا يهيئه لمستقبل داكن الملامح، حيث نقرأ: “وقفت على الساحل، أنتظر مثلما ينتظر الآخرون أن تصل السفن البرتغالية التي كانت تنقل كل يوم العشرات منا باتجاه الضفة الأخرى من البحر. لماذا كبلوا أيدينا وأقدامنا بسلاسل الحديد، وأحكموا إقفالها؟ فنحن رغم كل شيء لن نهرب، ثم إلى أين سنهرب؟ نحن أيضاً نريد الذهاب إلى هناك أو إلى أي مكان آخر، بعيداً عن هذه المدينة التي نشأنا فيها وأحببنا ترابها وماءها وأسوارها العالية. لم يكن الموت يخيفنا، لكن، أن نموت غرقى في البحار في لحظة خاطفة خير من أن نموت هنا بالتقسيط من فرط الجوع”[32].

شخصيات وروايات:

بين قصة بيع الأزموري من طرف والده أو اختطافه من طرف البرتغاليين، تتعدد الروايات، تماما كما اختار أن يجمع في روايته بين الشعر والحكمة والتاريخ والأسطورة، عبر خيط ناظم يقوم على التخييل دون التقيد الصارم بما سجلته الكتب والوثائق التاريخية.

ينتصر الخصار في روايته لما تمثله شخصية الأزموري. انتصر للحكاية ولسحر “ابن الشمس”: استيبان، استيبانيكو، استيفانيكو، آكا، استيفان الأسود، استيفان الموري، المكسيكي الأسود، الفاتح الأسود، الزنجي، العبد[33].

 لا شك أن الإبداع يحتاج إلى كثير من التخطيط، وإلى كثير من الصدق، أيضا. لا داعي للتسرع، فالسرعة تقتل؛ ذلك ما “نصح” به الجاحظ الشعراء، وما أكده كتاب من جغرافيات متباعدة، نذكر منهم أوهان باموك وغابرييل غارثيا ماركيز وأمبرطو إيكو؛ ذلك ما سيبينه الخصار، بخصوص تجربته الجديدة، على طريقته الخاصة، إذ يقول: “بعد فترة طويلة من البحث في التاريخ[34] وتحرير الأحداث وجدت نفسي أرغب في التوقف ولدي إحساس بأن العمل لم يكتمل، وربما لن يكتمل. أليست مهمة القارئ أيضاً هي ملء الفراغات التي خلفها تعب الكاتب؟ خصوصاً أني كنت مشغولا بالبحث في عدة تواريخ، بالمغرب والبرتغال وإسبانيا وأميركا”[35].

العلاقة بين التاريخ والرواية أكثر من وطيدة وأكثر من جدلية، فهما “ينتميان لمنظومة حكائية واحدة يستحيل فصلهما، لا تاريخ بلا فعالية سردية روائية ولا رواية بلا فضاء تاريخي، يغذي أحدهما الآخر على نحو أكيد وأصيل وفعال ومنتج”[36]، حيث “التاريخ ركيزة أساسية تختزن تجارب وحكايات وشخصيات وأزمنة وأمكنة وخبرات لا يمكن التغاضي عنها أو إغفالها، حين يريد الكاتب لعمله الروائي أن يحصل على الخصب المطلوب والحجاجي القادر على إقناع المتلقي بصدق ما يروي، ليس الصدق التاريخي الواقعي الاجتماعي الأخلاقي بل الصدق السردي الفني الجمالي الذي يخلق إحساسا في منطقة التلقي بأهمية ما يروى لها وفائدته”[37].

لكن، لماذا كتابة التاريخ، أو، على الأصح، توسل التاريخ لكتابة رواية؟ يقول الخصار: “لم أفكر في كتابة رواية تاريخية، وحتى وأنا أكتب لم أكن منتبها إلى أنني غارق في عمل تاريخي. ذلك أني انجذبت بالأساس إلى شخصية الأزموري، ربما الجانب النفسي كان لدي ذا أولوية على المسألة التاريخية. التاريخ في الغالب ذريعة ومتكأ. لكن الجوهري هو الشخصية التي تخلق الأحداث. هناك تمثال الآن لمصطفى الأزموري في أميركا، ومعهد يحمل اسمه. كيف استطاع شاب مغربي أن يتحول في القرن السادس عشر من عبد إلى رمز تاريخي؟ هذا السؤال وحده يدعو إلى الكتابة ويحفز عليها”[38].

(نصب تذكاري من البرونز لاستيفانيكو، من تصميم النحات الأمريكي جون هاوسر)

اختار الخصار الانتصار لواقعة بيع الأزموري[39]. ومع التقدم في قراءة الرواية، يظهر للقارئ أن الكاتب توفق في أن يجعل البيع “أكثر روائية”، حتى وإن بدا الحدث أشد قساوة، وهو ما يتأكد من خلال العودة إلى هذا الموقف، لاحقا، لتبرير الفعل من وجهة نظر الوالد حدو والإبن مصطفى.

ينتقل تضارب وتباين الآراء حول سيرة الأزموري إلى عالم الرواية، حيث نكون مع عدد من المقاربات، بل اختلاف حتى في نسب الرجل واسمه الشخصي، ومن ذلك أن نقرأ عن مصطفى بن محمد الأزموري في رواية “حكاية المغربي” لليلى العلمي، في وقت تشير فيه روايات أخرى، بينها “الأفرو أمريكي” لعبد العزيز آيت بنصالح، و”جزيرة البكاء الطويل” لعبد الكريم الخصار، و”استيبانيكو / الطريق إلى “سيبولا”” لمحمد البوعبيدي، إلى مصطفى بن حدو الأزموري؛ كما نكون في رواية “الأفرو أمريكي” مع “امصيطيفي” وليس “مصطفى”.

يدفع تمحور روايات عدة، بلغات عديدة، حول سيرة الأزموري، إلى طرح السؤال بخصوص دوافع ذلك، في زمن متقارب؛ علاوة على أن كل تلك الروايات أخذت عنوانا يتمحور حول لقبه أو أصله، إلا رواية الخصار اختارت “جزيرة البكاء الطويل”، وهي العبارة التي جاءت على لسان دورانتيس، وقصد بها عذابات الهنود؛ حيث اختار عنوانا مختلفا، ربما لخلفيته الشعرية، مع الإشارة إلى أن لهذا الاختيار ما يشبهه في كتابات مغربية وعربية أخرى، من قبيل “صراخ في ليل طويل” (1946)، أولى روايات جبرا إبراهيم جبرا.

من بين الروايات التي جعلت من شخصية الأزموري محورا للعنوان والحكاية، نجد “حكاية المغربي” (The Moor’s Account) لليلى العلوي، و”استيبانيكو / الطريق إلى “سيبولا”” لمحمد البوعبيدي، و”الأفرو أمريكي” لعبد العزيز آيت بنصالح. لكن لماذا هذا الإصرار على توسل حكاية شخصية واحدة في أكثر من رواية؟ يقول الخصار، مبررا اختياره: “حين بدأت الكتابة عن استيفانيكو أو مصطفى الأزموري صيف سنة 2016 لم يكن هناك أي عمل روائي قد صدر عنه. كنت قد شاهدت حلقة عنه في إحدى القنوات التلفزيونية، وقرأت عنه ورقة للباحث شعيب حليفي، وسمعت عن كتاب لمصطفى واعراب فاز بجائزة أدب الرحلة[40]، لم أطلع عليه لحد الآن. وحين بدأت الروايات تصدر عن استيفانيكو، واحدة بأميركا وأخرى بفرنسا واثنتين بالمغرب، حاولت ألا أطلع عليهما حتى أنهي روايتي. اعتمدت بالمقابل وثائق مدونة بالإنجليزية أو مترجمة من الإسبانية إلى الإنجليزية”[41].

تثير “جزيرة البكاء الطويل” أسئلة عديدة، على علاقة بشخصية الأزموري من جهة، وبالطريقة التي تناولها بها كاتبها من جهة أخرى، وذلك عبر حفره المضني في ذاكرة منسية لابن أزمور، تستعيدها رواية هي الأولى لشاعر وكاتب، يعيد فيها رسم مراحل مختلفة من حياة ومسار الأزموري، الطفل والعبد والسيد وابن الشمس والفاتح الأسود الذي تحول إلى رمز تاريخي. نص يستعرض القصة عبر شخصيات مختلفة بينها مصطفى نفسه، وتتناوب على سرد تفاصيلها شخصيات بخلفيات متباينة، تلتقي في تركيزها على استيفانيكو / مصطفى، كما تلتقي في ملحمة إنسانية تنقل لمشاعر متباينة، تجمع بين الألم والفقد والاجثتاث والعبودية والحب والظلم والطمع والمغامرة، ناقلة لرسائل تتغنى بالحياة، في بساطتها وتفاهتها في آن، منتصرة للإنساني قبل كل شيء، تماما كما عبر عن ذلك، الرجل العجوز لاستيفانيكو، في منامه، وهو ينظر إليه نظرة من يحذره من الهلاك: “لا تشغل بالك بالبحث عن الذهب. ابحث عن نفسك، فأنت هو الذهب”[42].

بين الشعر والسرد

لا يقطع الخصار مع تجربته الإبداعية وخلفيته الشعرية، وهو يكتب روايته الجديدة، سواء وهو يقدم لفصولها بعتبات – قصائد من  أشعار وصلوات الهنود الحُمر، ومن ذلك أن نقرأ على لسان زعيم قبيلة “الشوني”: “عش حياتك بشكل لا يجعل للخوف من الموت مكانا / في قلبك. / لا تضجر الآخرين بذم معتقداتهم / احترم آراء غيرك / وافرض عليهم أن يحترموك. / اعشق حياتك / اجعلها أشهى حياة / حاول أن يكون لك عمر مديد / اجعله في خدمة الآخرين”[43]، أو وهو يتوسل لغة شعرية على مستوى سرده للحكاية، عبر شذرات تجعلنا قريبين من العوالم التي ميزت تجربته الشعرية، التي تعرفنا عليها في دواوينه “أخيراً وصل الشتاء” و”أنظر وأكتفي بالنظر” و”نيران صديقة” و”بيت بعيد” و”عودة آدم” و”القبطان البري”.

يتوسل الخصار، في روايته، خواص الكتابة الشعرية، مقترحا ومضات تحيل على أسلوب كتابته الشعرية، نكون معها بصدد نفَس يعيدنا إلى دواوين وقصائد لها نفس الحمولة السردية تقريبا، ومن ذلك أن نقرأ له في روايته: “مرة قال أحد مرافقينا، وكان طباخا من اليونان: “إن الأشجار تَرمينا بالنِّبال، لأنها تُدافع هي الأخرى عن أرضها”. ضحك كثيرون، لأن كلاما كهذا لا يقوله، بالنسبة إليهم إلا واحدٌ من اثنين: مجنون أو جبان”[44]؛ فيما نقرأ في “أمامنا الجميع وخلفنا لا أحد”، إحدى قصائد ديوانه “بيت بعيد”، حيث نكون مع سيرة تؤكد نفَسا سرديا وبعدا مشهديا: “ولدت غرب الأرض، الأبواب هنا مقفلة وعالية، ويدي ليست من حديد. سقط رأسي هناك في بيت محاط بالأشواك، ورحلت قبل أن تنهار السواري وسقف القصب، قبل أن يأتي حطاب أخرس ويهوي بفأسه على الجذور، زحفنا كرمل من الصحراء، هربنا من الجوع والموت وحقل الجراد ولذنا بالسهول. كانت أمي تحيك الملاءات والزرابي وتشمس القمح، وكان أبي في النهار يصنع المناجل والخذاريف وبنادق البارود، وفي الليل يتعقب الدفائن والجن، يواري الأمل في الجراب، وينقل الشقاء من مطرقة إلى مطرقة”[45]. أو في قصيدة أخرى، تحمل عنوان “نحن أيضاً”، يقول فيها: “ربما ترك لنا أسلافنا الذهب، لكننا لم نرث سوى بقايا الكتب التي التهمتها النار. ننظر إلى أوطاننا ثم نضحك، ننظر إلى القراصنة في زي الربابنة ثم نضحك، ننظر إلى أوصيائنا الموتى والأحياء ثم نضحك، ننظر إلى وجوهنا في المرايا ثم نبكي. نحن الملوك الذين سيقتلهم الفقر، فر الخلاص من بين أيدينا، لكننا لا ننتظر غودو، لا ننتظرُ أحداً، ولا نريد أن ينتظرنا أحد”[46].

لا يمكن للخصار إلا أن يقر بخلفيته كشاعر، قبل أن “يجرب” حظه في كتابة الرواية، مستثمرا رصيده الشعري فيما يخدم عوالمه الروائية؛ الشيء الذي يدفعنا إلى طرح سؤال علاقة الشعر بالرواية. ليس من السهل على المبدع أن يغير جلده بين ليلة وضحاها، وهو ينتقل من القصيدة إلى الرواية، خصوصا إذا كان مأخوذا بالسرد في كتابته الشعرية، يقول: “غالبا ما أجنح إلى السرد في كتاباتي الشعرية. والدي حكاء كبير، يملك قدرة هائلة على سرد محكيات ضاربة في تاريخه الشخصي والجمعي أيضاً. مسروداته العديدة تتسم ببعدين أساسيين هما العمق والتشويق. وهذه ميزة الأعمال الروائية العالمية. ثمة دائما حكاية مؤثرة، وطريقة شيقة في تقديمها للمتلقي. يمكنك أن تقول إني ورثت السرد عن والدي، فضلا طبعا عن قراءتي للرواية من مشارب متعددة. ربما السبب الكبير الذي حال دون أن أكتب روايات منذ سنوات خلت هو الكسل. فمزاجي شعري بالأساس. الشعر لحظة أما الرواية فهي التزام زمني ممتد. والحقيقة أنني خصصت الكثير من الوقت في حياتي لكتابة مقالات أكثر مما خصصته لكتابة الشعر”[47].

مفاتيح السرد:

نجح الخصار في “استراتيجية” تعاطيه مع حكاية الأزموري، بتفكيره في تقديم عمل مركّب، منح فيه مفاتيح السرد لعدد من الشخصيات، بداية من “استيفانيكو”، انتهاء إلى “مصطفى”، وبينه (ما) “أماريس”، و”دورانتيس”، و”كابيزا دي فاكا” و”حدو”، ليجد القارئ نفسه في وضعية الربط بين الفصول، ليجمع الحكاية، من دون أن تغيب عنه تلك العبارات التي جاءت على لسانه، من قبيل: “ها نحن في جزيرة كالفستون، أربعة خامسنا الموت، دورانتيس، كابيزا دي فاكا، كاسْتْيو وأنا”[48].

هو التاريخ عبر ودروس، ومعاني يقاس الحاضر على ضوئها، طالما أن الأيام تفعل في الإنسان ما تفعله الأمواج بالصخور، إذ تجعله المحن المتعاقبة أكثر هدوءا وهدنة[49]، يتحدث بصوت الحكمة والسخرية والمفارقة، خصوصا حين يجد نفسه في مواجهة “هادم الملذات”، الموت، تلك “المغارة التي لا تفضي إلى نهاية، من يلجها يختفي”[50]. وهل هناك من عبر ملهمة، أعمق وأكثر تعبيرا من تلك التي تأتي على لسان من ذاق العبودية والقهر وعاني من الترحال القسري بين ثلاث قارات، استيفانيكو الذي يختصر حكمة السنين، بقوله: “قد يفشل الإنسان في الحياة، لكنه مرغم بالضرورة على النجاح في الموت. كثيرون يقولون إنهم لم يعيشوا الحياة، لكن، لا أحد عاد من موته، كل شيء سيموت، كل مخلوق سيموت”[51].

يتوزع التاريخ والرواية على موضوعين مختلفين، لكنها يشتركان في نقطة مهمة وأساسية، تتمثل في أنه فيما يستنطق الأول الماضي ويسائل الثاني الحاضر، ينتهيان معا إلى أن يجد فيهما القارئ عبرة وحكاية”[52]؛ لذلك يتعامل المؤرخ والروائي مع المتحول “قاصديْن “عبرة”[53]، تتأمل طبيعة إنسانية، تعايش اندثارا لا نهاية له؛ ومع أن تعبير الاندثار لا يحيل على زمن محدد، فــ”التداعي يخترق الإنسان في جميع الأزمنة”[54]، حيث أن “وجود الماضي في قلب الحاضر يكون مهما بمقدار تحوله إلى عبرة للتأمل، وتجربة داعمة للمعرفة”[55]. فحين يصير الإنسان أعزل في مواجهته للحياة، لا يجد إلا أن يتوسل السخرية السوداء من كل تلك المفارقات المؤلمة التي يعيشها. نقرأ على لسان كابيزا دي فاكا: “لكن الواقعة التي دمرتنا جميعا، هي ما رأيناه على الساحل في ذلك الصباح الذي لا ينسى. اكتشفنا أن خمسة من رجالنا، في عز الجوع، أكلوا بعضهم. قتل الأربعة واحدا وأكلوه، وبعد أيام قتل الثلاثة واحدا وأكلوه، وهكذا. والناجي الوحيد الذي وجدناه بين الحياة والموت بقي حيا، لأنه لم يجد من يأكله”[56]. واقعة تختصر أقسى وأقصى درجات الألم التي يجد الإنسان نفسه في مواجهتها، تصدمنا كقراء، وقد رويت، هنا، على لسان كابيزا دي فاكا، بعدما رويت، قبلا، على لسان استيفانيكو، الشاهد الآخر على المأساة، من زاوية أخرى وانفعال آخر، حيث نقرأ: “كان المشهد أسوأ من أن يوصف، أربع جثت منتشرة على طرف الغابة، يبدو من شكلها كما أن ضباعا أكلتها، لم تتبق تقريبا سوى العظام. وجدنا بجانب إحداها رجلا هزيلا روى لنا تلك القصة المرعبة. لقد دفعهم الجوع إلى أن يأكلوا بعضهم. التهم الأربعة الأقوى أضعفهم، أصابه أحدهم بخنجر من الخلف طالبا منه المعذرة، وبالخنجر نفسه قطعوا اللحم، أكلوا بعضه مدخنا، وبعضه نيئا. وبعد أيام قليلة هجم الثلاثة على رابعهم، ثم قتل اثنان ثالثهما، وفتك أحد المتبقين برفيقه، ليبقى وحده شاهدا على الكارثة”[57].

مشهد أقسى من تعبر عنه الكلمات؛ لذلك لم يجد استيفانيكو إلا أن يعلن صدمته بتعليق ساخر، يقول فيه: “على كل حال، الهنود لم يأكلوا بعضهم حتى وهم أعداء، أما نحن، فقد أكل الأصدقاء منا أصدقاءهم”[58].

بمثل هذا “المشهد” الصادم، وكثير غيره، ينفتح بنا الخصار على البعد السينمائي في تناوله الروائي للحكاية، بعد أن اختار تقنية الوصف في الكتابة، حيث تقوم العين مقام الكاميرا في نقل الأحداث، متوسلة تقنيات السرد السينمائي واللغة والحوار وبناء الحكاية، والصورة وما يرتبط بها من آليات، كالتقطيع والمونتاج، بأسلوب تعبيري منسجم مع واقع الحكاية[59].

في مواقف أخرى، يكون الصمت أقوى من أن يضبط المشاعر ويحبس التعبير الشعري عن نقل المعاناة؛ هكذا وثق الأزموري للحظة ترحيله عبدا من طرف البرتغاليين: “طلِب منا أن نبقى صامتين إلى أن نصل، لكننا قلنا كل شيء في دواخنا”[60]، هو الذي لم يفته أن يقول، لاحقا، إنه يؤمن بأنه لا يوجد إنسان صامت، فقط لأن الرجل الذي لا يتحدث كثيرا مع الآخرين هو رجل يتحدث كثيرا مع نفسه[61].

يعمد الخصار، من خلال فصول بعناوين تسرد تفاصيل الحكاية بخلفيات متباينة، تبعا للمسار الخاص بكل شخصية، إلى كسر “المحكي الخطّي”، باعتماد ثلاث طرق، تشمل تدوير القصة، لعبة التقديم والتأخير، فيما مركزية البطل هي كل شيء، إذ منه يبدأ، وفي سيرته يصُبّ، وتُبنى هرمياً بحيث نتعرف فيها على شخصه وعالمه ومغامراته[62].

وفي علاقة بلعبة التقديم والتأخير، سيتوفق الخصار في استعادة الحكاية من زاوية الاسترجاع، الذي يقوم على انقطاع التسلسل الزمني أو المكاني للأحداث، لاستحضار مشهد أو مشاهد ماضية، على لسان هذه الشخصية أو تلك.

يبدو التناول كما لو أنه يضعنا أمام فيلم مكتوب في رواية، ينقل للقارئ مشاهد وليس أحداثا، من جهة أن نقل الأحداث ممارسة للتأريخ، أما نقل المشاهد فممارسة إبداعية، وهو ما يمكن إبرازه من خلال التركيز على دخول استيفانيكو إلى هاويكي عند قبائل الزوني، على لسان “أماريس”: “كانت هاويكو هادئة على مر السنين، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي رج فيه ابن الشمس هذا الهدوء. كنت أجلس أنا وأختي أداماريس وأخي الأصغر إديلمار إلى جانب أبي الحكيم ناهيل في مكان ظليل بعد منتصف النهار، إلى أن وصل أربعة من عبيد هنود المكسيك يحملون على عرش خشبي رجلا أسمر يستند إلى تكية، ثبت في أعلاها بإحكام رسم لطائر المكاو بمنقاره الكبير الغامق، ومعه عدد من الرجال”[63].

يحرص الخصار على أن يمنح القارئ مساحة من الخيال لإخراج عمله بنفسه[64]. وقد عرف كيف يصنع مشاهد بصرية على لسان الشخصيات الرئيسية، من موقع مشاركتها في الأحداث وتأثيرها فيها، تفاعلها معها وانفعالها؛ فبإعادة تركيب المشاهد، يتجمع “شتات” حكاية الشخصية الرئيسية، موضوع “جزيرة البكاء الطويل”، وتناول كل حدث من زاوية مختلفة على لسان المعنيين بالحدث، باستثمار تقنيات الحوار، والمونولوغ الداخلي؛ ومن ذلك أن نقرأ على لسان استيفانيكو: “وقفت أنتظر السفينة، باحثا في الآن ذاته عن أبي الذي لمحته قبل قليل ينظر إلي بعينين متعبتين، لم يعد بإمكان الدمع أن يسيل منهما. فقد جفتا تماما بعد سنوات من العيش الشاق والكئيب. كان وسط الحشود التي جاءت لتودع أبناءها. أعرف أنه لم يأخذ مقابل بيعي للبرتغاليين الكثير من المال، في الغالب سيقول مع نفسه: “لا بأس، سيعيش الفتى في بلاد فيها طعام، وهذا المال سيكفي، ولو لأسابيع، ليطعم من تبقى في الكوخ”. كثيرون باعوا أبناءهم مقابل خيشة من الشعير، أو قفة من التين المجفف وقليل من العنب اليابس. أبي كان من القلائل الذين أمسكوا المال بأيديهم قبل أن يتخلوا مقهورين عن أبنائهم. بحثت عنه طويلا بعيني، فجأة بدا لي هناك، بين مودعين آخرين، واضعا يده على خده، محاولا أن يشيح بوجهه عن الجميع. كان ينظر إلي بمشاعر لا أعرف كيف أصفها. أن تبيع ابنك للذين يحتلون أرضك هي حالة من الذل المضاعف، لكن، لا فرار. نظرت إليه راغبا في مناداته وتوديعه بكلمة ما، أية كلمة، وحين التقت نظراتنا اختفى”[65]؛ قبل أن نتعرف على مشاعر الأب، حدو، ونحن نتابع حدث بيع الإبن ومشهد الترحيل: “ماذا أخذت مقابل بيعك؟ لا شيء، تقريبا لا شيء. هل ثمة رجل يبيع كبده؟ ! أنا فعلت، لكنني فعلت ذلك لأني أردتك أن تخرج من هذا الجحيم إلى جحيم أرحم، أن تفر من قدر إلى قدر. بكلمات قليلة كنت تقول كل شيء، بل إنني مرارا رأيت الكلمات في عينيك دون أن أسمعها من شفتيك. كانت الدموع قد تحجرت في عيني وأنا أنظر إليك في ذلك اليوم البئس، لكن، ماذا تجدي دموع الرجال؟ إنها أكثر ملوحة وحرارة من دموع النساء، لذلك فكل ما تفعله هو أنها تحفز الأخاديد في الوجوه، تزيد من عذاب الدهر، وتعجل بالموت. وحين وقع بصرك علي اختفيت وراء رجل آخر. لم أشأ أن تراني، لقد حاولت أن أتفادى تلك النظرة، نظرة الغول الجريح”[66].

يحسب للخصار توفقه في الانتقال من زمان إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، بشكل ساهم في تطوير الحدث المعني بالوصف والتصوير، الشيء الذي ينقل القارئ من شعور لآخر، ليضعه في وسط الفضاءات التي تتحرك فيها الشخصيات، ملامسا انكسارها النفسي، وخطواتها الجنائزية النابعة من شعور بالخوف والفراغ، فلا تجد إلا الأسئلة الحائرة ملاذا: “لماذا يتحول الإنسان إلى قاتل؟ يرى الناس أن الذي يقتل ويسطو ويهيمن يفعل ذلك في لحظات القوة، والحقيقة أن الذي يقتل يرتكب جريمته في لحظة ضعف، وبصيغة أكثر صدقا، في لحظة جبن داخلي هو الذي يقودنا إلى اقتراف أشياء سيئة”[67].

على سبيل التركيب:

أكدت قراءتنا لرواية “جزرية البكاء الطويل”، أن الروائيين العرب بشكل عام، والمغاربة بشكل خاص، عند بناء عوالمهم السردية اعتمادا على التاريخ، إنما يفعلون ذلك من زاوية أن الخطاب عن الماضي هو في الآن ذاته خطاب عن الحاضر، بشكل يصير معه التاريخ في الغالب ذريعة ومتكأ، لفهم ما يجري اليوم، وما يمكن أن يحدث مستقبلا.

كما أظهرت القراءة أنه في حالة الخصار، الذي عرف شاعرا قبل أن يتحول إلى كتابة الرواية، يبقى توظيف هذه الخلفية الإبداعية قيمة مضافة للعملية السردية، بشكل يخدم استراتيجية الكتابة، على مستويي لغة الكتابة وضرورات التعبير عن حالة الأزموري، الشاب المغربي الذي استطاع أن يتحول في القرن السادس عشر من عبد إلى رمز تاريخي.

لا شك أن الكاتب توفق في استعادة حكاية الأزموري، استيفانيكو، من زاوية الاسترجاع، الذي يقوم على انقطاع التسلسل الزمني أو المكاني للأحداث، لاستحضار مشهد أو مشاهد ماضية، على لسان هذه الشخصية أو تلك، من خلال توسل تقنيات السرد السينمائي، مع كسر “المحكي الخطّي”، بشكل يضعنا أما فيلم مكتوب في رواية.

في نهاية القراءة، نخرج بقناعة أن الكاتب اقترح علينا رواية مفعمة بالشعر والسحر، فلا هو قصّر على مستوى الكتابة السردية، ولا هو فرّط في استثمار ما يتوفر للشعر من قدرة خلاقة على التعبير عن الإنسان في مختلف الأحوال التي يعيشها والأهوال التي يجد نفسه مجبرا على ركوبها، ماضيا أو حاضرا.

…………………………………………………………………………………..

(عبد الكبير الميناوي: أستاذ باحث في الأدب الحديث/ الكلية متعددة التخصصات بأسفي (جامعة القاضي عياض / مراكش-المغرب)

المصادر والمراجع:

  • محمد القاضي، الرواية والتاريخ/دراسات في تخييل المرجعي، دار المعرفة للنشر، تونس، ط. 1، 2008،
  • السرد ورهان الكتابة ، قراءات في السرد المغربي المعاصر، مقاربات، فاس، ط. 1، 2019،
  • عبد الكريم الجويطي، المغاربة، المركز الثقافي للكتاب، الدار البيضاء، ط. 1، 2016
  • سعيد يقطين، الرواية والتراث السردي/من أجل وعي جديد بالتراث، المركز الثقافي العربي، بيروت – الدار البيضاء، 1992،
  • سعيد يقطين، قضايا الرواية العربية الجديدة/الوجود والحدود، دار الأمان (الرباط) ومنشورات الاختلاف (الجزائر) الدار العربية للعلوم ناشرون (بيروت)، ط. 1، 2012،
  • محسن الوكيلي، أسير البرتغاليين، دار ميم، القاهرة، ط. 1، 2021
  • عبد الفتاح كيليطو، المقامات .. السرد والأنساق الثقافية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط. 2، 2001،
  • خوان غويتيصولو، عصافير تلوث عشها، ترجمة عبد الكريم جويطي، آفاق للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 2006،
  • خوان غويتيسولو، حدود زجاجية، ترجمة نبيل الدريوش والعربي الحارثي، سلسلة الفكر الإسباني المعاصر 2، منشورات مرسم، الرباط، 2007،
  • عبد الرحيم الخصار، جزيرة البكاء الطويل، منشورات المتوسط، ميلانو، ط. 1، 2022،
  • محمود درويش، حالة حصار، رياض الريس للنشر والكتب، بيروت، ط. 1، 2002، ص. 73
  • نضال الشمالي، الرواية والتاريخ، عالم الكتب الحديثة، إربد (العراق)، ط. 1، 2006،
  • طارق علي، تأملات في الرواية والتاريخ، ندوة الرواية والتاريخ، دار الكتب القطرية، 2005،
  • عبد الله إبراهيم: التخيل التاريخي / السرد والامبراطورية والتجربة الاستعمارية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، لبنان، ط 1، 2011،
  • حسن الوزان، وصف إفريقيا، ترجمه عن الفرنسية محمد حجي ومحمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، ط. 2، 1983،
  • عبد العزيز آيت بنصالح، الأفرو أمريكي، المركز الثقافي للكتاب، الدار البيضاء، ط. 1، 2021
  • ليلى العلمي، ما رواه المغربي، ترجمة نوف الميموني، عن دار أثر للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، ط. 1، 2017،
  • عبد الرحيم الخصار، بيت بعيد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة إبداع عربي، القاهرة، ط. 1، 2013،
  • فيصل دراج، الرواية وتأريخ التاريخ / نظرية الرواية والرواية العربية، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 2004،
  • مجلة الثقافة المغربية، العدد 40، (هدية العدد: ليون الإفريقي / حياة الوزان الفاسي وآثاره، تأليف محمد المهدي الحجوي، من إعداد وتقديم أنور المرتجي) منشورات وزارة الثقافة، الرباط، 2014
  • محمد صابر عبيد، وجهان ووجهتان، مجلة الجديد، لندن، العدد 60، يناير 2020،
  • جريدة الشرق الأوسط، لندن، العدد 14243، 26 نوفمبر 2016،
  • جريدة الشرق الأوسط، لندن، العدد 15895، 5 يونيو 2022،
  • جريدة الشرق الأوسط، لندن، العدد 15841، 12 أبريل 2022،

List of Sources and References                 

  • Muhammad Al-Qadi, Novel and History/Studies in Takhayal Al-Marji, Dar Al-Maarifa for Publishing, Tunis, i. 1, 2008,
  • Narration and the Writing Bet, Readings in Contemporary Moroccan Narration, Approaches, Fez, i. 1, 2019,
  • Abdel Karim Al-Joiti, The Moroccans, The Cultural Center for Books, Casablanca, i. 1, 2016,
  • Said Yaqtin, The Novel and Narrative Heritage / For a New Awareness of Heritage, Arab Cultural Center, Beirut – Casablanca, 1992,
  • Saeed Yaqtin, Issues of the New Arab Novel / Existence and Borders, Dar Al-Aman (Rabat) and Publications of Difference (Algeria) Arab House for Science Publishers (Beirut), i. 1, 2012,
  • Mohsen Al-Wakili, Prisoner of the Portuguese, Dar Mim, Cairo, p. 1, 2021,
  • Abdel-Fattah Kilito, Maqamat .. Narrative and Cultural Forms, Dar Toubkal Publishing, Casablanca, i. 2, 2001,
  •  Juan Goytisolo, Birds polluting their nest, translated by Abdel Karim Goueti, Horizons for Publishing and Distribution, Cairo, first edition, 2006,
  • Juan Goytisolo, Glass Borders, translated by Nabil Al-Dariush and Al-Arabi Al-Harthy, Contemporary Spanish Thought Series 2, Marsam Publications, Rabat, 2007,
  • Abd al-Rahim al-Khassar, The Long Crying Island, Mediterranean Publications, Milan, p. 1, 2022,
  • Mahmoud Darwish, State of Siege, Riad Al Rayes for Publishing and Books, Beirut, p. 1, 2002, p. 73,
  • Nidal Al-Shamali, Novel and History, The World of Modern Books, Irbid (Iraq), i. 1, 2006, 
  • Tariq Ali, Reflections on the Novel and History, Symposium on Novel and History, Dar Al-Kutub Al-Qatari, 2005,
  • Abdullah Ibrahim: Historical Imagination / Narrative, Empire and Colonial Experience, The Arab Institute for Studies and Publishing, Beirut, Lebanon, 1st edition, 2011,
  • Hassan Al-Wazzan, Description of Africa, translated from the French by Muhammad Hajji and Muhammad al-Akhdar, Dar al-Gharb al-Islami, p. 2, 1983,
  • Abdelaziz Ait Bensalah, Afro-American, Cultural Center for Books, Casablanca, p. 1, 2021,
  • Laila Al-Alami, what was narrated by Al-Mughrabi, translated by Nouf Al-Maymouni, on the authority of Athar Publishing and Distribution House, Kingdom of Saudi Arabia, i. 1, 2017,
  • Abd al-Rahim al-Khassar, Far Home, The Egyptian General Book Authority, Arabic Creativity Series, Cairo, p. 1, 2013,
  • Faisal Darraj, The Novel and the History of History / Theory of the Arabic Novel and Novel, The Arab Cultural Center, Beirut, 1, 2004,
  • Moroccan Culture Magazine, Issue 40, (The Gift of the Issue: Leon the African / Hayat Al-Wazzan Al-Fassi and its Effects, authored by Muhammad Al-Mahdi Al-Hajwi, prepared and presented by Anwar Al-Murtaji) Publications of the Ministry of Culture, Rabat, 2014,
  • Mohamed Saber Obaid, Two Faces and Two Faces, Al Jadeed Magazine, London, Issue 60, January 2020,
  • Asharq Al-Awsat Newspaper, London, Issue 14243, November 26, 2016,
  • Asharq Al-Awsat Newspaper, London, Issue 15895, June 5, 2022,
  • Asharq Al-Awsat Newspaper, London, Issue 15841, April 12, 2022.
  • https://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/500632.html,
  • https://www.annaharar.com/arabic/culture/news/30062022082049909

هوامش:


[1] محمد القاضي، الرواية والتاريخ / دراسات في تخييل المرجعي، دار المعرفة للنشر، تونس، ط. 1، 2008، ص. 19

[2] م. ن، ص. ن

[3] م. ن، ص. ص. 19. 20

[4] إبراهيم أولحيان، السرد ورهان الكتابة / قراءات في السرد المغربي المعاصر، مقاربات، فاس، ط. 1، 2019، ص. 15

[5] سعيد يقطين، قضايا الرواية العربية الجديدة / الوجود والحدود، دار الأمان (الرباط) ومنشورات الاختلاف (الجزائر) الدار العربية للعلوم ناشرون (بيروت)، ط. 1، 2012، ص. 9

[6] عبد الكريم الجويطي، المغاربة، المركز الثقافي للكتاب، الدار البيضاء، ط. 1، 2016

[7] عبد الكبير الميناوي، الرواية ككتابة عن التاريخ الذي ما زال يُنتَج في الحاضر، جريدة الشرق الأوسط، لندن، العدد 14243، 26 نوفمبر 2016، ص. 18

[8] سعيد يقطين، الرواية والتراث السردي/من أجل وعي جديد بالتراث، المركز الثقافي العربي، بيروت – الدار البيضاء، 1992، ص. 5

[9] سعيد يقطين، قضايا الرواية العربية الجديدة/الوجود والحدود، م. س، ص. 160

[10][10]  محسن الوكيلي، أسير البرتغاليين، دار ميم، القاهرة، ط. 1، 2021

[11] عبد الكبير الميناوي، “أسير البرتغاليين” مغامرة سردية تُسخّر الماضي لفهم الحاضر (حوار مع محسن الوكيلي)، جريدة الشرق الأوسط، لندن، العدد 15841، 12 أبريل 2022، ص. 20

[12] عبد الفتاح كيليطو، المقامات .. السرد والأنساق الثقافية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط. 2، 2001، ص. 7

[13] عبد الكبير الميناوي، “أسير البرتغاليين” مغامرة سردية تُسخّر الماضي لفهم الحاضر، م. س، ص. 20

[14] نسبة إلى أزمور، وهي مدينة مغربية تقع على الساحل الأطلسي، تبعد جنوبا عن مدينة الدار البيضاء بـ80 كلم

[15] يرى الباحث والكاتب المغربي شعيب حليفي، تحت عنوان “ابن الشمس الخالد استيبانيكو”، أن تفاصيل الرحلة التي كان الأزموري جزء منها تتأتى من المعلومات التي وفرتها الوثائق حول شكل الرحلات الاستكشافية، أو الاستعمارية، التي سادت بعد 1492، واستمرت بطموحات وخيالات وعجائب ومآسي كثيرة، ثم أيضا ما تركه مسؤول كبير في الرحلة وهو كابيزا دي فكّا الذي دوّن الرحلة في شكل تقرير، قال فيه جزءا من الحقائق العامة والأساسية، ونحن في استقرائنا ومقابلة الوثائق والسياق وما جاء لاحقا مع الراهب ماركوس في الجزء الثاني من الرحلة، وجدنا ما يمكنه أن يمنحنا إمكانية بناء الرحلة، وهو ما قام به عدد من الباحثين الأمريكيين وكذلك المغاربة. الآن، لا أحد يجادل أن مصطفى الأزموري / إستيبانيكو هو واحد من أهم المستكشفين في أمريكا بشهادة كافة المؤرخين، فهو مكتشف ما يُعرف اليوم بولايتيْ أريزونا ونيو ميكسيكو، وأحد المكتشفين الأوائل لولايتيْ فلوريدا وتكساس، وما زال اسمه في أناشيد قبيلة زوني، مثلما هناك أماكن باسمه بتكساس وأريزونا، وتماثيل واحتفالات تستعيد صوته وخطواته الواثقة والمسالمة.

[16] عبد الكبير الميناوي، مراحل من تاريخ الظلم الإنساني، جريدة الشرق الأوسط، لندن، العدد 15895، 5 يونيو 2022، ص. 18

[17] نضال الشمالي، الرواية والتاريخ، عالم الكتب الحديثة، إربد (العراق)، ط. 1، 2006، ص. 236

[18] م. ن، ص. ن

[19]– خوان غويتيصولو، عصافير تلوث عشها، ترجمة عبد الكريم جويطي، آفاق للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 2006، ص. 11

[20]– خوان غويتيسولو، حدود زجاجية، ترجمة نبيل الدريوش والعربي الحارثي، سلسلة الفكر الإسباني المعاصر 2، منشورات مرسم، الرباط، 2007، ص. 100

[21] عبد الرحيم الخصار، جزيرة البكاء الطويل، منشورات المتوسط، ميلانو، ط. 1، 2022، ص. 16

[22] محمود درويش، حالة حصار، رياض الريس للنشر والكتب، بيروت، ط. 1، 2002، ص. 73

[23] يتم تقديمه على أنه عاش في سنوات المواجهة بين الشرق والغرب، التي عرفت الغزو المسيحي وحرب الاسترجاع لإمارة غرناطة من لدن الإسبان. ولد سنة 1488 للميلاد، وانتقل مع أسرته صغيراً إلى فاس في المغرب، حيث درس فيها على أعلام وعلماء جامع وجامعة القرويين، واستطاع في فترة وجيزة أن يجالس كبار العلماء والفقهاء والقضاة، في المدن المغربية والأفريقية التي كان يزورها، وأن يجيد نظم القصيد وقول الشعر، ليكون محط إعجاب الملوك. وقد كان شاهداً على سقوط الأندلس، وعاش في المغرب في عهد حكم الوطاسيين (1462 – 1554)، أما في إيطاليا فقد عاش بداية ازدهار النهضة الإيطالية وعصر الأنوار الذي ستعرفه أوروبا. يتم تقديمه كرحالة عابر للحدود والثقافات، وناقل المعرفة بين الشرق والغرب. – انظر ليون الإفريقي / حياة الوزان الفاسي وآثاره، تأليف محمد المهدي الحجوي، إعداد وتقديم أنور المرتجي، هدية مجلة “الثقافة المغربية”، العدد 40، منشورات وزارة الثقافة، الرباط، 2014

[24] حسن الوزان، وصف إفريقيا، ترجمه عن الفرنسية محمد حجي ومحمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، ط. 2، 1983، ص. 10

[25] تتعدد الروايات حد التناقض بخصوص الطريقة التي هجر بها الأزموري من أزمور. ويقول الباحث والكاتب المغربي شعيب حليفي إنه “لا يوجد تضارب علمي مبني على أسس ووثائق، وإنما هي افتراضات. ولعل الفرضية الأقرب إلى التصديق هي التي ترتبط بالسياق التاريخي والاجتماعي، الذي يجمع الكل على وجوده، بالإضافة إلى ما توفر من وثائق برتغالية ومغربية، تشير إلى وجود البرتغال وحالة الضعف المغربي ثم سنوات المجاعة، وجميعها مؤشرات أو احتمالات لحدث كان في ما قبل نتيجة معلومة، وهو تواجد مصطفى الأزموري بالديار الإسبانية. أحيانا لا تكون بعض الأحداث حاسمة في بناء فكرة أو صورة، لأن الأزموري سواء هاجر برغبته أو عن طريق مقايضة أو احتمال ثالث لا علم لنا به.. هي أمور كانت ضمن سياق واحد بصور متعددة”.

[26] عبد الرحيم الخصار، جزيرة البكاء الطويل، م. ن، ص. 89

[27] طارق علي، تأملات في الرواية والتاريخ، ندوة الرواية والتاريخ، دار الكتب القطرية، الدوحة، ط. 1، 2005، ص .30

[28] عبد الله إبراهيم: التخيل التاريخي / السرد والامبراطورية والتجربة الاستعمارية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، لبنان، ط 1، 2011، ص. 5

[29] م. ن، ص. ن

[30] م. ن، ص. ن

[31] عبد الرحيم الخصار، جزيرة البكاء الطويل، م. س، ص. 140

[32] م. ن، ص. 11

[33] عبد الرحيم الخصار، جزيرة البكاء الطويل، م. س، ص. ص. 139. 140

[34] نقرأ في رواية ليلى العلمي، تحت عنوان “ما رواه المغربي”: “على الرغم من أن هذه الرواية مستلهمة من أحداث حقيقية، فإن الشخصيات التي تتضمنها والمواقف التي تصفها من نسج الخيال، لا سيما خلفية بطلها الذي لا نعرف عنها إلا ما أورده كابيزا دي فاكا في سجله في سطر واحد فقط: “el cuatro (sibreviveiente) se llama Estevanico, es negro alarabe, natural de Azamour وترجمته: “(الناجي) الرابع هو استيفانيكو، وهو عربي أسود من أزمور” – ليلى العلمي، ما رواه المغربي، ترجمة نوف الميموني، عن دار أثر للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، ط. 1، 2017، ص. 411

[35]  عبد الكبير الميناوي، مراحل من تاريخ الظلم الإنساني، م. س، ص. 18

[36]  محمد صابر عبيد، وجهان ووجهتان، مجلة الجديد، لندن، العدد 60، يناير 2020، ص. 14

[37] م. ن، ص. ص. 14. 15.

[38] عبد الكبير الميناوي، مراحل من تاريخ الظلم الإنساني، م. س، ص. 18

[39] ينتصر عبد العزيز آيت بن صالح لرواية اقتناص الأزموري من طرف البرتغاليين؛ ومن ذلك أن نقرأ في “الأفرو أمريكي”: “لكن أيدي النخاسين امتدت إليه بالأغلال. كان وجهه أقرب إلى حيطان القصبة منه إلى وجه شاب مشرف على العشرين؛ تلك كانت بداية اقتناص الأزموري، والسبب لونه المبرنز، الطول اللافت لقامته، وسرعته الفائقة، مثل رمح مغموس في أول الليل يندفع بكل ما أوتي لاختراق الفجر، وقوة بنيته وتقرير يعقوب بن الغربية، الذي أسال لعاب القائد البرتغالي لاقتناصه، بغرض بيعه” – م. س، ص. 44

[40] يقصد كتاب “استيبانكو الأزموري / مغامر مغربي في أرض الهنود الحمر / أول رحلة شرقية إلى أميركا الشمالية (1500-1539)”، وهو الكتاب الفائز في 2007، بجائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي، التي تأسست سنة 2003 في إطار مشروع “ارتياد الآفاق” الذي أطلقه المركز العربي للأدب الجغرافي (ارتياد الآفاق) من أبو ظبي.

[41]  عبد الكبير الميناوي، مراحل من تاريخ الظلم الإنساني، م. س، ص. 18

[42] عبد الرحيم الخصار، جزيرة البكاء الطويل، م. س، ص. 104

[43] م. ن، ص. 57

[44] م. ن، ص. 97

[45] عبد الرحيم الخصار، بيت بعيد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة إبداع عربي، القاهرة، ط. 1، 2013، ص. 53

[46] م. ن، ص. 49

[47] عبد الكبير الميناوي، مراحل من تاريخ الظلم الإنساني، م. س، ص. 18

[48] عبد الرحيم الخصار، جزيرة البكاء الطويل، م. س، ص. 80

[49] م. ن، ص. 78

[50] م. ن، ص. 141

[51] م. ن، ص. 140

[52] فيصل دراج، الرواية وتأريخ التاريخ/نظرية الرواية والرواية العربية، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط. 1، 2004، ص. 9

[53] م. ن، ص. ن

[54] م. ن، ص. ن

[55] عبد الله إبراهيم: التخيل التاريخي/السرد والامبراطورية والتجربة الاستعمارية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، لبنان، ط 1، 2011، ص. 5

[56] عبد الرحيم الخصار، جزيرة البكاء الطويل، م. س، ص. 117

[57] عبد الرحيم الخصار، جزيرة البكاء الطويل، م. س، ص. 78

[58] م. ن، ص. 79

[59] مصطفى النبيه، تقنيات السينما في رواية (ما تبقى لكم) للأديب الشهيد غسان كنفاني، على الرابط: https://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/500632.html  

[60] عبد الرحيم الخصار، جزيرة البكاء الطويل، م. س، ص. 17

[61] م. ن، ص. 91

[62] أحمد المديني، المغربي المُشارك في اكتشاف أميركا… كما تخيّله عبد الرحيم الخصّار، جريدة النهار، بيروت، على الرابط: https://www.annaharar.com/arabic/culture/news/30062022082049909

[63] عبد الرحيم الخصار، جزيرة البكاء الطويل، م. س، ص. 44

[64] مصطفى النبيه، تقنيات السينما في رواية (ما تبقى لكم) للأديب الشهيد غسان كنفاني، م. س، ر. ن

[65] عبد الرحيم الخصار، جزيرة البكاء الطويل، م. س، ص. 13

[66] م. ن، ص. ن

[67] م. ن، ص. 104