النزعة الوطنية في شعر سعاد الصباح 

د. معراج أحمد معراج الندوي

تقديم   

إن تاريخ الأدب العربي الحديث قد حفظ للشاعرة نازك الملائكة دورها الريادي في التجديد الشعر العربي والتمرد على الشعر التقليدي وتأسيس مدرسة جديدة للقصية العربية الحرة. وكذلك حفظ التاريخ ما احدثت فدوى طوقان في ملء مساحات الفراغ في شعر المرأة في الأدب العربي المعاصر. ثم جاء دور سعاد الصباح في دراسة أدبية تجلى إبداعها في المضمون والشكل. فقد بهرت جرأتها وقدرتها الشعرية. فكانت سعاد الصباح شاعرة وطنية عربية مبدءها الوطن وهدفها الحرية والمساواة والعدل. وذلك كانت المرأة جزءا من هذا الوطن الذي عشقته سعاد. فقد كان اعجابه بها ثائرة منادية بتحرير المرأة سواء أكان في بلدها الكويت أم في أرجاء الوطن العربي. وما امتاز به شعرها بالحب والحياة. ترك الحب في حياتها أثرا بالغا كما لعبت قضية الوطن على أدبها وشعرها دورا بارزا.سعاد الصباح هي شاعرة عربية كويتية من الجيل الثالث لشعراء الحداثة ارتبط شعرها بالأرض العربية. وقد غلبت الوطنية والوجدانية وهموم المرأة على فيما تموج به الحياة العربية اليوم في صراعها لتحديد رؤية جديدة للحياة والكون وللمجتمع وللمرأة.

السيرة الذاتية لسعاد الصباح: ولدت الشاعرة سعاد محمد الصباح في 22 من مايو عام 1942م في منطقة الزبير من محافظة البصرة ،العراق.  كان والدها الشيخ محمد الصباح حفيد محمد صباح الصباح حاكم الكويت من العام 1892-1894م. تلقت علومها الإبتدائية في الكويت ثم التحقت بجامعة بيروت والقاهرة ودرست الاقتصاد وحصلت على شهادة البكالوريوس.  تزوجت بعد والديها في سن مبكرة عام 1959م. قصدت إلى البريطانية والتحقت بجامعة سوري جلفورد وحصلت منها شهادة الدكتوراة في الاقتصاد. تفرغت بعد تخرجها مباشرة نشاطها الثقافي والاقتصادي كأستاذة في العلوم الاقتصادية والآداب.

ميولها إلى الأدب: مالت إلى الأدب والشعر حنيما كانت في مرحلة الثانوية من تعليمها. بدأت حياتها الأدبية وهي لم تتجاوز الثالثة عشر من عمرها. أخذت تقرض الشعر وتنشرها في الصحف والمجلات المختلفة. جمعت قصائدها المنشورة في ديوان وأصدرته تحت عنوان” من عمري” عام 1964م وكان هذا أول ديوان لامرأة خليجية. ثم تلاحقت دواوينها الشعرية الأخرى وتواصل انتاجها الأدبي حتى وصل إلى المستويات العالمية. تأثرت في بداية أمرها بالمتنبي وأبي تمام ثم تعرف على شعراء المهجريين فتأثرت بهم تأثرا بالغا. وعندما تعرفت على شوقي فاعجبته كثيرا. وفي أواخر الخمسينات تأثرت بنزار قباني حيث كانت تعتبر نفسها تلميذة في مدرسته.[1] تداخلت في شعر سعاد قضيتان: قضية الوطن وقضية تحرير المرأة العربية وتصوير واقعها في مجتمع مغلق تحت سيطرة الرجال.

 آثارها الشعرية:  “ومضات باكرة” عام 1961م،  “لحظات من عمري” عام 1961م، “من عمري” 1964م،    ” أمنية” عام 1971م، “إليك يا ولدي” 1982م، “فتافيت امرأة”  عام 1986م، “حوار الورود والبنادق” عام 1986م، في البدء كانت الأنثى” عام 1988م، “برقيات عاجلة إلى وطني” عام 1990م، “آخر السيوف” عام 1992م، “قصائد حب” عام 1992، “امرأة بلا سواحل” عام 1997م، وخذني إلى حدود الشمس” عام 1997م قدمت انتاجا شعريا ذا مستوى متميز جدير بدراسة متأنية من جميع الجوانب والزوايا.  وبهذا الانتاج الشعري المتوالي استطاعت الشاعرة أن تخلد اسمها في مقدمة الشاعرات الكويتيات ممثلة بحق جيل السبعينات.

النزعة الرومانسية في شعر سعاد الصباح:

 تتضح النزعة الرومانسية في شعرها من الحزن والأسى. ومن خصائص الشعر الرومانسي هو الهروب من قسوة الحياة وصخب المدينة إلى أحضان الطبيعة باعتبارها منبع الجمال وموطن الحقيقة. ومن السمات الرومانسية التي برزت في شعر  سعاد الصباح حبها للطببيعة. نلاحظ أن هذا الطوفان يأتي هكذا دون شرح وتحليل لأسبابه كما هو الحال في الأحزان الرومانسية. شاعت النزعة الرومانسية في شعرها استجابة لحركات التجديد في الشعر العربي الحديث. وهي تقول:

أخت روحي، كنت بالأمس بقربي تشهدين      

وفقتي الحيري بمحراب الهوى الباكي الحزين

 ويد الموت تشل   الأمن في دربي   الأمين      

ونعيب البوم يعلو….  والأسى    لا يستكين

ودموعي في ضحي المأساة شلال سخين        

 وثيابي السود   تنعاني لدنيا اليأسين

أخت روحي كنت من قبل بحبي تستخرين    

كنت من فرحة   قلبي   بالهوى تستغربين

وتقولي  بأني…   طفلة    لا تستبين            

طفلة ضلت طريق النور  بين    العاشقين

وتصيفين دعي العشق فذو العشق سجين        

إنها    نار…    وفي أتونها …       تحترقين

 ليتني  يا أخت     صدقتك    فيما تدعين          

وقتلت الشوق  في روحي  وأزهقت   الحنين

 وطعنك الشك  في قلبي بسكين اليقين            

ورفضت  القدر   المكتوب   عبر السنين

غير أنا لا نرى ما خطه فوق الجبين[2]  

ظاهرة الحزن والتشاؤم في شعرها:

يدور شعر سعاد الصباح في هذا التجاه حول ذاتها، وهي تتأمل أحزانها وآلامها وهمومها وأفكارها. وإن طابع الحزن والتأمل من أبرز الطوابع في شعرها.

تعبر الشاعرة عواطفها الصادقة من صميم الأحزان، إذن هو الصبا والشباب، فهي مرحلة الرومانسية. وتقول:

ما قيمة الصبا الغرير  والشباب والحور   إذا قضت بلا هوى،  ولا  مني    ولا ثمر

أعيش في منفى من الحرمان أسأل القدر    أليس لي حق الحياة مثل سائر البشر؟

وفي قصيدة أخرى تتمنى الشاعرة إلى الوصل لحبيبه وتتذكر أيامها الماضي قضت معه في حب ولطف وعناية. فتقول:

حبيبي، اتسترجع الذكريات       إذا ما خلوت لصمت المساء؟

فتذكر كيف سمعنا الليالي        تزعرد  من   فرحة     باللقاء

وكيف رأينا ضياء الكواكب       أوتار      قيثارة  للغناء

وما نسينا؟  نسينا  الزمان        نسينا المكان،   نسينا الرياء

نسينا الحساب نسينا العتاب      نسينا العذاب نسينا الشقاء

وماذا ذكرنا؟  ذكرنا الوعود       ذكرنا العهود     ذكرنا الهناء

ذكرنا الغرام    ذكرنا الهيام       ذكرنا السلام  ذكرنا الوفاء [3]  

تتحدث الشاعرة عن الوحدة والفقد عن الذاكرة وعن الحزن والضجر الموجود في كل مكان. وهي تتذكر الماضي الجميل في مقاهي المعالم، وبالفناجين التي تروح وتجئ، الحزن هو الحاضر الصديق والضجر الرفيق، والساعة والحقيبة اليد هما عناوين الذكرى في ذلك المكان.  وهي تقول:

ماذا أفعل بالفناجين التي تأتي … وتروح

وبالحزن الذي يطلع كل ربع ساعة

حينا من ميناء ساعتي

وحينا من دفتر عناوني

وحينا من حيبة سفري [4]

قد غلب طابع الحزن على شعر سعاد الصباح ولا سيما مرحلتها الشعرية الأولى. ويعمق هذا الحزن بعد فقدان ولدها ويتضاعف بعد فقدان وطنها. 

الاغتراب الوحدة في شعر سعاد الصباح:

ذاقت الشاعرة سعاد الصباح مرارة الوحدة والحرمان الروحي والقلق الاجتماعي فصورت المأساة تصويرا جميلا. نلاحظ في دواوينها ظاهرة هذا الألم المرير والمأساة الاجتماعية والفكرية بكل وضوح وصراحة. وقد يبدو بوضوح حبها للوحدة ورغبتها في ترك المدن والفرار إلى الطبيعية بما فيها من حقول وبحار وجبال بعيدا عن مشكلات المجتمع وهمومه وحروبه. وهذه الظاهرة من الرومانسية نجد أكثر في شعرها. وكما هو المعلوم في النزعة الرومانسية أن الشعراء ينفرون من المدنية لأنهم يشعرون فيها الغربية والوحدة ويلجئون إلى الطبيعة يهربون إلى ملاذا يقيهم من معاناة. تغلغلت الشاعرة سعاد الصباح وتجربت في حياتها هذه المرحلة الرومانسية ولم يكن عندها من هروب إلا في استدعاء الحبيب لتأنس به في سجن الغربة كما يتجلى في قصيدة  لها “في زحام المدينة” تقول الشاعرة:

   وتلا شيت في زحام المدينة             وذوت بسمة الشفاه  الحزينة

    أنا في غربتي أحس ذراعيك         تشدانني   لحضن     السكينة

     وضجيج الأنام يوقظ آمالي          ويعلو  على  شجوني  الدفينة

     فإذا أقبل المساء   وغامت          وحدتي، بت في عذابي سجينة

        تتوالي ساعات ليلي طوالا        كمحيط الظلام حول السفينة

      أتمانك يا حبيبي   ، أصل         لغرام   أنما    عليه         أمينة

     وأناديك   لا   يلبي    ندائي        غير   تهويمة   الليالي الضنينية

     والظلام الذي يطادر أحلامي        ويمشي  إلى  المنى  بالضغينة

   ثم ألقي عينيك في هدأة الفجر         فأصبحوا على الدموع السخينة

فالشعر الملجأ الكبير الي تلوذ به للبوح عنآلامها. وهي تقول: إنني ألجأ إلى الشعر لأتحرر من الخوف الذي تشعر به الأنثى في هذه المنطقة، ألجأ إليه لأنه يحمينني ويقويني ويستمع بقلب كبير إلى اسرار الصغيرة، وهمومي الكبيرة، إنه الصديق الرائع الذي استطيع أن ابوح له أن اصرخ بحرية وأغنى بحرية وأضحك بحرية وأبكي بحرية.[5]  تقول الشاعرة في ديوانها ” امرأة بلا سواحل”

 يا سيدي

 ايها المخبوء

من عشرين عاما… في الوريد

 يا من يغطيني بمعطغة

 إذا سرنا معا فوق الجليد

 ما دمت لاجئة لصدرك

 ما الذي في هذه الدنيا أريد

 ما دمت موجودا  معي

 فالعام أسعد من سعيد [6]  

هموم المرأة في شعر سعاد الصباح: دافعت الشاعرة عن قضية المرأة وحريتها كنوع من الوطنية. ولم تكن تنادي بتحرير المرأة من سطوة الرجل في بقعتها الصغيرة. وكانت قادرة على تشكيل الحدث بأسلوب تصويري بديع، يظهر فيه الانتماء والصبر والعشق للأسرة وللوطن وللإنسانية. أكدت سعاد الصباح في ديوانها أن المرأة تحب وتغضب كما أشارت الشاعرة أن للمرأة دورا لا حدود له في الحياة، فهي ليست مجرد أنثى، بل كيانها قومي حضاري، ولا بد استيعاب أبعاده وتدعيمها وتعميقها، بل تتجسد فيها أحيانا عناصر الطبيعة التي تميز بها.[7]امتازت سعاد الصباح بفضل التقدم والمبادرة بين الشاعرات المعاصرات للقرن العشرين فيما يتعلق بالدفاع عن قضية المرأة والدعوة إلى تحريرها والمطالبة بالتساوي بين الجنسين وإعطاء المرأة حقوقها في كل مجال من مجالات الحياة. وكانت سعاد الصباح ثائرة اسم المرأة العربية النخلة بطولها وقوتها وصمودها في وجه قوة الصحراء حرها وبردها. وهي صامدة تعطي. ولهذا حق لها أن ترفض وأن تقاوم وتثورعلى واقع يظلمها ويلغي وجودها وتطلب أن يكون لها دور في صياغة المجتمع. وهي وتقول:

 أنا النخلة العربية الأصول

 والمرأة الرافقة لأنصاف الحلول

 فبارك ثورتي[8] 

تعترف سعاد الصباح في أول قصيدة من ديوانها بأنها امرأة من مكان بعيد، فهي تعتز بأنوثتها وتصرح بها وتؤكدها ولكنها في الوقت نفسه تصرح بأنها امرأة استثنائية من مكان استثنائي. وهي تقول:

 أنا امرأة من فضاء بعيد

 ونجم بعيد

 فلا بالوعود الين

 ولا بالوعيد [9]

الحب والحياة في شعرها: يحتل الحب والحياة مكانة مرموقة في الشعر  العربي الحديث كما يسود هذا الموضوع الشعر الإنساني منذ أقدم العصور. فالحب من المضامين الرئيسية في شعر سعاد الصباح لأن الحب لعب دورا مهما في حياتها كما ترك الألم اثرا بالغا في شعرها.والبحث في ممارسة تجربة الحب عند سعاد ليس مشكلة لأن المهم لدينا أن نعرف طبيعة الشاعرة وعواطفها ومشاعرها فنلاحظ أنها صادقة فيما عبرت من تجارب في الحب.إن الحب في شعر سعاد  الصباح هو حب عذري ومتشوف إلى عالم صوفي، ثم يتجاوز إلى ما وراءه حيث يكون نال قسطا من الدرية على ذوق العشق العفيف. تكتب سعاد الصباح في قصيدة لها “الخطاب” رسالة إلى حبيبه وتعبر فيها حبها الصادق العفيف يسهل بها مداد الحبر على أوراق الخطاب ويحلق المقطع الأول في جو رومانسي. فهذه الأشواق المذابة على الأوراق معطرة برضاب من كأس الحب مقبلة عيني الحبيب، مغردة بحلو الأماني وتعرب الشاعرة عن وفاءها وإخلاصها لمولاها الحبيب وتدعوه لتطمئن قلبها وترتاح نفسها. فتقول:

        مولاي إن جاءك هذا الخطاب                أوراقه من شوق روحي لباب

       حروفه من ذوب قلبي  المذاب                 مداه   من   أدمع   و انتحاب

       وعطره من كأس حبي  رضاب                مقبلا  عينيك   بعد  الغياب

       مغردا   بالأمنيات     العذاب                    فلا تكن من لهفتي في ارتياب  

يقول الناقد فضل الأمين في هذا الصدد وهو يشرح هذه الأبيات المذكورة: “واللافت في شعر الحب عند سعاد أنه عذري، فهي لم تعد تلك العاشقة الحلمة المضطهدة كما رأيناها في قصيدتها “أمينة” ولا تلك االعاشقة المولهة المتوقدة الأحاسيس كما أطلت في قصيدتها “فتافيت أمرأة” بل إنها غدت عاشقة متمرسة لا تتردد في إعلان مشاعرها. وفي تطور آخر ملحوظ يغدو الحب هو السلطان الحاكم الآسر فيما يطل الحبيب بصورة صديق رفيق، وصدر حان ، وجسد واهب، إنه يتجسد ويتشخص ويأخذ هيئة رجال هذا الزمن. وهي في مواجهته تأخذ شكل وموقف نساء هذا الزمن، وتأخذ أيضا حقوقهن وتضيف إليها حقها كمبدعة ومثقفة. لدا فإنها بدأت تسأل وتطلب تأمر وتنهى وتغضب, اختفت مشاعر الضعف والاستكانة وكلمات الترجي.”[10] تقول الشاعرة:

 كن صديقي… كن صديقي

 إنني أحتاج أحيانا لأن أمئ على العشب معك

 وأنا احتاج أحيانا لأن أقرأ ديوانا من الشعر معك

 وأنا- كامرأة- يسعدني أن اسمعك

 فلماذا أيها الشرقي- تهتم بكلي؟

 ولماذا تبصر الكحل بعيني ولا تبصر عقلي؟[11]  

تستغرق صورة الزوج عبد الله المبارك الصباح أغلب قصائد الديوان الذي تقول عنه في تقديمها للقصيدة الثانية “إلى عبد الله المبارك زوجي.. ومعلمي….” وتؤكد الشاعرة بأن زوجها هو الذي غير حياتها وأعطاها كل ما كانت تفقد في داخل قلبها. وهي تقول:

 أعرف بين الرجال العالم رجلا

 يشطر تاريخي نصفين

 أعرف رجلا يستعمرني

 ويحررني…

 ويلملمني…

 ويبعثرني…

 ويخبئني بين يده القادرتين.[12]  

 تعترف الشاعرة بأن زوجها هو الذي ايقظ في نفسها وأعماقها الأنوثة، وصنع عندها حب الآخر والاعتزازا بأنوثتها. فقد زرع فيها الحياة وغرس في قبلها سببا لتحيأ وأعاد العطاء والحب والجمال لها، فعادت الصحراء مثمرة بعد أن كانت قحطا لا حياة فيها ولا حراك.

 وهي تقول:

 أعرف رجلا

 أيقظ في أعماقي الأنثى

 حين لجأت إليه

 وشجر في قلبي الصحراء [13] 

وتعترف الشاعرة في قصيدة لها “زوجي المعلم وأنا التلميذة” بأنها تعلمت من زوجها الراحل الكثير مما لم تتعلم امرأة من زوجها. وهي تسدى له الشكر لأنه دربها كيف تثقف ذوقها وعقلها وكلامها وشكلها. فقد علمها كل شئي في نفسها وليساقتها ولباقتها وفي أناقتها. وهي تتحدث عن مكان العشاء على أنها أميرة. وتعترف بأنني زوجة أمير من نوع خاص بذوقه ولباسه وأناقته ونفسيته، يظهر ذلك في أنها تعلمت منه كيف تكون أميرة بين الرجال وبين النساء. فتقول:

 لك الشكر يا سيدي

 منك تعلمت كيف أثقف ذوقي

 ومنك تعلمت أثقف عقلي

 وكيف يكون كلامي على مستواك

 وشكلي على مستواك

 وكيف ، إذا ما ذهبنا معا للعشاء

 أكون حبيبي على مستواك

 وكيف أكون أمام الرجل أميرة

 وبين النساء أميرة [14]    

الرمز في شعرها: يعتمد الشعر على شعور الشاعر وعواطفه الفردية والاجتماعية والوطنية والسياسية والثقافية. فيقوده إلى الكشف فنيا وصياغيا عن خبايا النفس وخفايا الكون استجابة لهذا الشعور الباطني. إن هدف الشعر  الرمزي هو التعبير الإيحائي الكامل للكشف عن حالة من حالات النفس في صورة وجدانية.استخدمت الشاعرة رموزها من واقع الحياة العربية لأن الرمز في حقيقته لا يشير إلى الأشياء الواقعية مباشرة، بل يعبر عن طريق الإشارة والكناية. عبرت الشاعرة بعض القضايا الحساسة السياسية بلغة الرمز. فلا تخلو دواوينها من الرمز.  تتمحور هذه الرموز حول مرموزات معينة استمت من الشخصيات التاريخية. اتخذت السيف رمز خانق على عكس ما يرمز إليه السيف العربي. اتخذت سعاد الصباد من هذه الرموز أسلوبا لإظهار أفكارها الشعرية إلى أكبر قدر من المتلقين دون معاناة في الفهم. وقد وصفت نفسها بأنها شاعرة مقاتلة بالكلمة. فابتعدت عن الغموض والإبهام لتجعل من تجربتها الشعرية.  وهي تقول:

 أيها الشعر الذي

 يحرق بالكبريت أشجار السماء

 يا الذي يأكل من قلبي صباحا ومساء

 يا الذي يحقرني حتى العياء

 كيف ترضى موقف الذل

 أليس الشعر ابن الكبرياء؟[15]  

 اتخذت الشاعرة شخصية فاطمة الزهراء رمزا متألقا بين واقع الشخصية التاريخية حيث تقول:

أنا أمي الغراء فاطمة الزهراء

 وأختي العظيمة الخنساء

  وأبي يعرب الذي بارك الأرض

 وقامت في ظلة الأنبياء

 وأخي قاهرة الغزاة الصلبيين

يا ليت تنطق الأشلاء [16]  

قد أحسنت الشاعرة اختيار الشخصيات التراثيىة مع بنية القصيدة لتحقيق الصلة بين وعي الملتقى لتظهر أفكارها الرائعة. وهي تقول:

هذي بلاد… تختن القصيدة الأنثى

 وتنشق الشمس لدى طلوعها

 حفظا لأمن العائلة

وتذبح المرأة إن تكلمت

 أو فكرت…

 أو كتبت…

أو عشقت…

 غسلا لعار العائلة …[17] 

النزعة الوطنية في شعر سعاد الصباح: الوطنية تعني بشكل عام شعورا بالوحدة الخاصة بين أفراد شعب يشتركون باللغة والتاريخ والثقافة بالإضافة إلى ارتباط هذه الجماعات بأحداث الماضي والتاريخ واشتركها في السعي لتحقيق أماني وآمال مستقبلية. شعرت الشاعرة سعاد الصباح بآلام قومه وطموحاتهم وآمالاهم من أحاسيس شديدة وعواطف قوية. إن هذا الاتجاه سائد بصفة شاملة في شعر سعاد الصباح. إن الحنين إلى الوطن وحبه العميق نفسية من نفائس الإيمان عندها، قضت هذه الشاعرة معظم حياتها لوطنها الحبيب ولأمته ولصلاح شعبه.  سعاد شاعرة الشعب حيث امدتها نزعاتها الشعبية وعاطفتها الوطنية في سبيل رقي الأمة الكويتية وازدهارها. لقد كانت تعتقد بأنها صاحبة رسالة ، تعيش لأجلها وتكافح في سبيلها. حاولت الشاعرة دائما من خلال شعرها أن تنقذ وطنها من الذلة والنكبة. تتجلى أهمية الوطنية الصافية التي عبرتها الشاعرة من أعماق قلبها. إن شعورها الوطني الواسع يحضها على الانطلاق لتحقيق هذه الحرية في كثير من أرجاء الوطن العربي الذي ما زالت المرأة في تزرخ تحت عبء الرجال القوامين. ولعل أفقها الأول كان امرأة الخليج، فأمرأة الخليج ترفض واقعها وماضيها الأسطوري وتقاليدها البالية وتطمح إلى مستقبل عادل. وهي تقول:

 أنا الخليجية

 الهاربة من كتاب ألف ليلة

 ووصايا القبلية وسلطة الموتى[18] 

 يقول الدكتور نبيل بهذا الصدد: “وإذا كانت سعاد تبلور ماساة المرأة العربية بصفة خاصة، ومأساة المرأة في المجتمعات النختلفة بصفة عامة، فإنها في ديوانها ” في البدء كانت الأنثى” تحلل شخصية المرأة الخليجية والكويتية على وجه الخصوص. فالمرأة ليست مجرد أنثى بل كيان قومي وحضاري، لا بد من استيعاب أبعاده، وتدعيمها وتعميقها، بل تتجسد فيها أحيانا عناصر الطبيعة التي تميز بلدها كما نجد في قصيدة كويتية.”[19]   

 يا صديقي

 في الكوتيات شيئ من طباع البحر فادرس

 قبل أنتدخل في البحر- طباعي

 يا صديقي لا يغرنك هدوئي

 فلقد يولد الإعصار من تحت قناعي[20]    

وفي الثاني من أغسطس عام 1990م وجدت الشاعرة نفسها بلا بيت ولا هوية ولا وطن. فكانت فجيعتها كأهل الكويت فجيعة كبيرة وعظيمة ما زالت حتى تثقلها الجراح. لقد كانت الصدمة عليها عنيفة. وهي الشاعرة العربية التي حملت الكويت في صدرها وعيونها ورموشها. وهي الشاعرة التي دائما تغنت بالعروبة. فصرخت الشاعرة بأعلى صوتها متفاعلة مع قضية وطنها.   وهي تقول وتتساءل بغضب اللهب: 

من قتل الكويت؟

 ينفجر السؤال في عقلي، وفي قلبي…

 كنهر من لهب

 كيف تموت وردة بلا سبب؟

 كيف توت نخلة بلا سبب؟

 هل أعجمي يا ترى قاتلها

 أم عربي جاء من أرض العرب؟

وهي تقول في قصيدة لها اسم “سوف نبقي واقفين” عن عزيمة شعب الكويت.

 سوف نبقي واقفين

 مثل كل الشجر العالي سنبقي واقفين

 سوف نبقي غاضبين

 مثلما الأمواج في البحر الكويتي

 سنبقي غاضبين

أبدا لن تسرقوا منا النهارا

 أيها الآتون في الفجر على دبابة

 من رأى دبابة تجري حوارا  

 تعبر الشاعرة همومها الوطني وحبها العميق لوطنها العزيز الكويت حيث تقول الشاعرة في قصيدة لها بعنوان ” نقوش على عباءة الكويت”

 أيا صباح النصر، يا حبيبتي الكويت

 أيتها العصفورة المائية، الرائعة الألوان

 بعد شهور سبعة في قبضة السجان

 طلعت مثل وردة بيضاء من دفاتر النسيان

 فانتصرت سنبلة القمح على قاطعها

 وانتصرت عصفورة الحب على صيادها

وانتصر الله على الشيطان. 

 لقد حملت الشاعرة  وطنها في عينيها وفي قلبها وفي دمها وثبتت للعالم أن  وكنها الكويت بلد ذو جذور حضارة. وفي قصيدة  لها صرخت  الشاعرة :

 ستبعث الكويت من رمادها… كطائر الفينيق

 وتبدأ الرحلة من أولها

 ويرفع القلوع سندباد

 وينبت العشب على دفاتر الأولاد

 وتصرخ الأمواج في الخليج

 حي على الجهاد حي على الجهاد [21]  

مسك الختام: ساهمت الشاعرة سعاد الصباح مساهمة فعالة في خدمة الحركة الثقافية والفكرية من خلال الدعم والمساندة من أجل واقع ثقافي. فهي تؤكد أن الثقافة والشعر رسالة إنسانية. قامت بالدفاع عن قضية المرأة من أجل المشاركة في بناء الحياة والمستقبل إلى جانب الحب ومخاطبة إنسانية الإنسان. يمتاز شعرها بالرقة والعذوبة والوجدان والمزج بين الشعر والفكر الناطق الذي تصب فيها هموما معاصرة من خلال انفعالها وأحاسيسها ومشاعرها. وهي أمام حنين الحب وعواطف الوجدان ترق وتلين، وأمام القضايا السياسة والإنسانية تثور وتمرد. كانت لسعاد الصباح رسالة تدفعها إلى السمو بالإنسانية إلى أرفع مكان تستلها بحيث لا يكون لها من هدف إلا الحرية والعدل. النزعة الإسانية والوطنية من الميزات البارزة في شعرها. وهي تعتز على أمتها الكويتية وتضطرب على ما تحدث في وطنها الكويت. هكذا نجد أن العاطفة الإنسانية والنزعة الوطنية غالبة على نفسها وتبرز بكل وضوح وصراحة في شعرها وأدبها.  

المراجع والمصادر:


[1]   خلف فاضل: سعاد الصباح الشعر والشاعرة، ص، 42، منثورات،  شركة النور، الكويت عام 1992م

[2]   قصيدة  تحت عنوان” قدر”

[3]   قصيدة ذكريات

[4] الورود تعرف الغضب، ص، 32

[5]   فوزي مفيد: مفاتيح قلب شاعرة، سعا الصباح  ص، 40، الهئية المصرية العامة للكتاب، بيروت 1996م

[6]  الصباح سعاد: ديوان امرأة بلا سواحل، ص، 24، دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع، الكويت عام2005م

[7]   سرحان مكي: الدكتورة سعاد الصباح، ص 30

[8]  الورود تعرف الغضب، ص، 11

[9] نفس المصدر، ص، 22

[10]  فضل الأمين : سعاد الصباح شاعرة الانتماء الحميم، ص: 57، شركة النور، عام 1994م

[11]  سعاد الصباح : في البدء كانت الأنثى، ص: 32

[12]  نفس المصدر، ص، 17

[13]  نفس المصدر، ص، 27

[14]  نفس المصدر، ص، 14

[15]  نفس المصدر، ص، 29

[16]  سعاد الصباح : في البدء كانت الأنثى، ص: 28

[17]   ليلة على قبض فاطمة، خذني إلى حدود الشمس، دار سعاد الصباح لننشر والتوزيع ا عام 1997م

[18] سعاد الصباح : في البدء كانت الأنثى، ص:،24

[19]  دكتور نبيل راغب:دراسة في شعر سعاد الصباح، ص، 336، الهئية المصرية للكتاب عام 1933م

[20]  سعاد الصباح : في البدء كانت الأنثى، ص: 37

[21]  سعاد الصباح : ديوان برقية عاجلة إلى وطني، ص، 83

(الدكتور معراج أحمد معراج الندوي، الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها جامعة عالية- كولكاتا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *