خَصَائِصُ اللُّغَةِ العَربيةِ وسُنَنُ العَرب

خالد بن محمد بن سعيد الشبيبي

ملخص البحث :

هدفت هذه الدراسة إلى بيان خصائص اللغة العربية وسنن العرب، واعتمد الباحث في ذلك المنهج الوصفي التحليلي الذي يهدف إلى رصد الظاهرة وتفسيرها تفسيرا علميا. حيث تناول الباحث أهم ما تميزت به اللغة العربية من مزايا تاريخية وارتباطها بالقرآن الكريم ثم اتساعها ووفرتها اللغوية. كما تناول بالبحث والنقاش مع التدليل ما انفردت به اللغة العربية من خصائص عديدة، مع تتبع سنن العرب المشهورة عنهم في الدراسات والكتب ذات الصلة باللغة العربية والأدب. وخلصت نتائج الدراسة إلى مجموعة من خصائص اللغة العربية الصوتية والنحوية والصرفية والمعجمية والبلاغية التي كانت وقفا لها دون غيرها، كما أشار الباحث إلى سنن العرب مع الأمثلة المؤكدة لذلك.

مقدمة :

 لكل لغة من اللغات الإنسانية خصائص تميزها وسمات تعرف بها وتختلف تلك الخصائص من لغة لأخرى تبعا لاختلاف حروفها ومفرداتها وتراكيبها، واللغة العربية مختلفة عن سائر لغات العالم فهي لغة مباركة زادت قيمتها وعلا شأنها وجلت مفرداتها بمعية القرآن الكريم الذي فيه مختصر البلاغة ودلائل الإعجاز الظاهرة والباطنة وسر القدرة الإلهية وفيه حوار لجميع البشر ومخاطبة لعقولهم وقلوبهم وفيه سرُّ نجاتهم وسعادتهم من هنا كان هذا المقال الذي يسلط الضوء ويعمق الفكر في سؤال رئيس ما الخصائص التي تميز اللغة العربية دون غيرها من سائر لغات العالم وما سنن العرب التي قويت بها العربية وزادت بلاغتها؟.

يقول الإمام القاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني: “والعربية أشدُّ اللغات تمكنا، وأشرفها تصرفا وأعدلها، ولذلك جعلت حلية لنظم القرآن، وعلق بها الإعجاز، وصارت دلالة في النبوة.” (1) .

والآيات من القرآن الكريم تدل على مقام اللغة العربية ومكانتها وقيمتها وأهميتها، فحُفظت، وكُرِّمت، وشُرِّفت اللغة العربية بالقرآن الكريم يقول تعالى: “بلسان عربي مبين” سورة الشعراء آية 195، أي هذا القرآن الذي أنزلناه إليك باللسان العربي الفصيح الكامل الشامل، ليكون بيناً واضحاً ظاهراً، قاطعاً للعذر، مقيماً للحجة، دليلاً إلى المحجة، ويقول تعالى: تكريمًا للغة العربية “إنا انزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون” يوسف آية 2 وفي سورة الزمر يقول تعالى:”قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ” الزمر آية 28.( 2).

ومن جوانب تكريم وتشريف اللغة العربية أن كان خاتم الأنبياء عربيا ولغته عربية وجميع مخاطباته ورسائله باللغة العربية جاء رحمة للعالمين فكانت لغة التواصل بين جميع الناس والمسلمين، كما كانت لغة صلاتهم التي هي عمود الدين. وكل ذلك يبين حقيقة ما لهذه اللغة من مكانة عالية ومزِيَّة قيِّمة وحقيقة قائمة يلتف حولها الجميع وينهلوا من معين مفرداتها وكنوز آثارها وجواهر أخبارها.

يقول الأستاذ الإمام أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري – رحمه الله – في صدر كتابه القيم المفصل في علم العربية: “اللهَ أحمدُ على أن جعلني من علماء العربيّة، وجبلني على الغضب للعَربِ والعصبيّة، وأبى لي أن أنفرد من صميم أنصارِهم وأمتاز، وأنضوي إلى لفيفِ الشعوبيةِ وأنحاز، وعصمني من مذهبهم الذي لم يُجدِ عليهم إلًّا الرَّشق بألسنة اللاعنين، والمشق بأسنّةِ الطاعنين” (3).

ويقول جلال الدين السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر في النحو: ” أما بعدُ: فإن فنونَ العربية على اختلاف أنواعها هي أول فنوني، ومبتدأ الأخبار التي كان في أحاديثها سمري وشجوني، طالما أسهرت في تتبع شواردها عيوني، وأعملت فيها بدني إعمال المجد ما بين قلبي وبصري ويدي وظنوني، ولم أزل من زمن الطلب أعتني بكتبها قديما وحديثا، وأسعى في تحصيل ما دثر منها سعيا حثيثا، إلى أن وقفتُ منها على الجم الغفير، وأحطتُّ بغالب الموجود مطالعةً وتأملا بحيث لم يفتني منها سوى النزرِ اليسير” (4). وفي بيان أهميتها وقيمتها يذكر الشاعر الهندي محمد إقبال في قراءته للقرآن الكريم وتذوقه لمفردات اللغة العربية فيقول: “أغوصُ في بحاره – أي القرآن الكريم– وأطيرُ في أجوائِه، وأجوبُ آفاقه، فأخرج من ذلك بعلم جديد، وإشراق جديد، وأزداد إيمانا بأن القرآنَ الكريم هو الكتاب الخالد، والدستور الأبدي للحياة، والنبراس الهادي الذي يضيء للبشرية طريقها إذا ما ادْلَهمَّت الظلمات” ويقول في مقطوعة شعرية له :” أيها المسلم مالك لا تستمد الحكمة رأسا من القرآن الكريم؟! فواعجبا لقد أصبح الكتاب الذي أنزل ليمنحك الحياة يقرأ عليك الآن لتمون بسهولة إذا حضرتك الوفاة”(5).

وفي مقدمة كتاب فقه اللغة لأبي منصور الثعالبي يقول : ” ومن هداه الله للإسلام وشرح صدره للإيمان، وآتاه حسن سريرة فيه، اعتقد أن محمدا صلى الله عليه وسلم خير الرسل، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم، ومفتاح التفقه في الدين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد، وقد خصها الله بالفضائل، ما يكلُّ أقلام الكتبة ويُتعب أناملُ الحسبة، شرَّفها الله عز وجل اسمه وعظمها، ورفع خطرها وكرمها، وأوحى بها إلى خير خلقه، وجعلها لسان أمينه على وحيه، وأسلوب خلفائه في أرضه، ولما أراد الله بقاءها ودوامها قيض لها حفظة وخزنة من خواص خلقه وأعيان الفضل”.(6).

وفي ذلك تأكيد على أهمية اللغة العربية وقيمتها وبيان شرفها ومكانتها وعلو منزلتها ووجزالة ألفاظها حيث يدل في ذلك على ما تحمله من خصائص كانت وقفا لها دون غيرها من اللغات وما تزخر به من أسرار بلاغية ومزايا لغوية وأدبية أعطت للغة العربية قيمة وأهمية، وأوضحت سبق مكانتها وجمال مفرداتها وأما في بيان مميزاتها فقد قسمتها إلى ثلاثة أقسام على النحو الآتي:

  1. ميزة تاريخية:

تعدُّ اللغةُ العربيةُ أحد اللغات القديمة العريقة، التي يمتد عمرها إلى أكثر من أربعة آلاف سنة كما ذكر ذلك الأديب عباس محمود العقاد. وﻳﺮى اﻟﻌﻘﺎد أن الأبجدية العربية أسبق من الأبجدية اليونانية والعبرية. واختلفت الروايات في أول من نطق بالعربية فمنهم من قال بأنه يعرب بن كنعان وقد سميت اللغة العربية باسمه، ويروى أن من فتق الله لسانه بالعربية هو سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ويذكر السيوطي في مزهره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أول من تكلم بالعربية المحضة هو إسماعيل عليه السلام وأراد بالعربية المحضة عربية قريش التي على لسانها أنزل القرآن الكريم، وأما عربية قحطان وحمير فكانت قبل إسماعيل عليهما السلام.( 7) .

وأخرج ابن عساكر في التاريخ عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن آدم عليه السلام كانت لغته في الجنة العربية، فلما عصى سلبه الله العربية فتكلم بالسريانية، فلما تاب ردَّ الله له العربية.  وأيد ذلك ابن جني في كتابه الخصائص وابن سلام الجمحي وهو من أشهر رواة الأخبار وقال عبدالملك بن حبيب: كان اللسان الأول الذي به آدم عليه السلام من الجنة عربيا، إلى أن بعد العهد وطال، حُرِّف وصار سُريانيا.(8). وعلى أية حال فما سبق ذكره من علماء اللغة العربية في اتفاقهم أو اختلافهم يبين من كلامهم أن اللغة العربية قديمة ولها جذور تاريخية تمتد لسنين طويلة وحيث لا يقع بين أيدي الباحثين ما كتب أو نقش في العصور القديمة ما يبين قدم اللغة العربية ولكن ينتهي المطاف إلى أن هذه اللغة موغلة في القدم شرفها الله وختم بها رسالاته على صفوة أنبيائه.

  • ارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم.

لا يمكن فهم القرآن وتدبر معانيه ومعرفة أسراره وإعجازه وأخباره إلا بمعرفة اللغة العربية، فالقرآن الكريم هو المعجزة الكبرى للرسول صلى الله عليه وسلم فلقد بلغ قومه من قوة الفصاحة حدا لا يبارى، ونزل القرآن الكريم على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بلسان قومه، ومع ذلك تملكهم العجب واستولت عليهم الدهشة، وتملكتهم الحيرة، وتحداهم القرآن الكريم على أن يأتوا ولو بآية من مثله فعجزوا.(9) والمتأمل في القرآن الكريم يجد فيه كل أسرار العربية ودقائقها وعلومها وحقائقها بديعها وإعجازها ونحوها وصرفها،غريبها وعجيبها، بل إن السر الكامن وراء خلود اللغة والمحافظة عليها هو القرآن الكريم الذي أعطى للغة العربية مزايا عظيمة منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • ثراء اللغة العربية بوفرة معانيها وتراكيبها وأساليبها.
  • توحيد جميع اللهجات العربية المعروفة في الزمن السابق كلهجة هذيل وحمير وقريش لتكون اللغة العربية هي اللغة الأم بين جميع لغات العرب ولهجاتهم.
  • أصبحت اللغة العربية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم من لغة محدودة في نطاق الحزيرة العربية والحجاز إلى لغة عالمية امتد نطاقها إلى الحضارة الفارسية واليونانية والأندلسية والعثمانية.
  • أصبح للغة العربية قواعد في نثرها ونظمها من الشعر تعرف بها وتكون خصائص مستقلة لها دون غيرها من اللغات.
  • تنمية الذوق وجمالية اللغة لما للقرآن الكريم من تأثير في النفس والذوق والحس.
  • ثراء اللغة العربية لغويا .

اللغة العربية لغة ثرية بمفرداتها ومعانيها، ذلك أن المفرد الواحدة في اللغة العربية تعطي معان كثيرة ومتعددة وهو ما يسمى بالمعنى المشترك. ومن جهة أخرى فإن المعنى الواحد قد تستعمل له أكثر من مفردة واحدة، وهو ما يعرف بالترادف. وكلا الأمرين الترادف والمشترك أمارة على خصوبة اللغة وثرائها.

وأما خصائص اللغة اللغة العربية والذي عليه مدار هذا المقال وفيه تبيان وتحليل لخصائص اللغة العربية والخصائص جمع خصيصة ويقصد بها ما اختصت به هذه اللغة دون غيرها من سائر اللغات، كما أن هناك من يخلط خصائص اللغة العربية بسنن العرب ولكن قد يجتمع الاثنان معا كمثل الإبدال والاتباع على نحو ما سيرد في المقال، والسنن جمع سنة وهي الطريقة والمثال والعادة(10). والفارق المحوري أن الخصائص خاصة باللغة العربية فقط والسنن هي العادة التي تعود بها العرب في حديثهم وحواراتهم وأشعارهم و خطبهم. فكان للدراسة والتحليل والنظر فيها ما يبين حقيقة اللغة العربية وأثرها كلغة جديرة أن ينظر العالم لها وأن يتمسك جميع المسلمين بها، وتكون ضمن مناهجهم ومدارسهم وجامعاتهم ومساجدهم لغة تعلم وتعليم، وتأمل وفهم، وتدبر واستنباط.

ذلك لأن اللغة العربية في عصرنا الحاضر تواجه تحديات كثيرة شرسة، متمثلة في ضعف حال المسلمين وتشتتهم، وتأثير القوى الغربية على العالم، والتأثير الإعلامي الذي أفقد كثيرا من قيمة اللغة العربية بين أبنائها أولا، والتبشير باللغة الإنجليزية على أنها لغة العلم والعالمية والإيمان بأن اللغة العربية لا ترقى أن تكون لغة عالمية تقود العالم، وتكون لغة الحوار والتفاهم، إن التحدي الذي يواجه اللغة العربية اليوم مرده إلى الشعور المبالغ فيه بأهمية اللغة الأجنبية الناتج غالبا عن الانبهار بكل ما هو أجنبي، والظن الزائف بأن التقدم لا يأتي إلا إتقان اللغة الأجنبية للجميع.(11).

وأول خصائص اللغة العربية :

  1. الخصائص الصوتية والموسيقية للغة العربية :

من خصائص اللغة العربية التي ميزتها عن سائر اللغات تنوع ووفرة أصواتها وتناغم موسيقى حروفها حيث تمتلك اللغة العربية أوسع مدرج صوتي عرفته لغات العالم جميعا. وذلك لأن حروف اللغة العربية البالغة ثمانية وعشرون حرفا تستهلك خمسة عشر مخرجا وهي جميع مخارج الأصوات في الفم بدءا من الشفتان وحتى أقصى الحلق من القصبة الهوائية، ولكل صوت وظيفته وأهميته، وتأثيره. وتلك الحروف تتوزع توزيعا عادلا في المخارج الخمسة عشر من الفم، كما تتميز تلك الأصوات بالانسجام الموسيقي والتآلف في الكلمة الواحدة، فمثلاً: لا تجتمع الزاي مع الظاء والسين والضاد والذال. ولا تجتمع الجيم مع القاف والظاء والطاء والغين والصاد، ولا الحاء مع الهاء، ولا الهاء قبل العين، ولا الخاء قبل الهاء، ولا النون قبل الراء، ولا اللام قبل الشين. وقد تجد في لغات أخرى غير العربية حروفاً أكثر عدداً ولكن مخارجها محصورة في نطاق أضيق ومدرج أقصر، كأن تكون متجمعة في منطقة واحدة من الشفتين أو متكاثرة من الخيشوم حتى تجد تغلب عليها الغنة كاللغة الفرنسية مثلا. أو متزاحمة في الحلق.

كما أن من أهم صفات أصوات اللغة العربية وخصائصها أنها ثابتة لا تتغير ولم تتبدل منذ أربعة عشر قرنا؛ وذلك بفضل القرآن الكريم حيث اهتم القراء بضبط حروف القرآن الكريم والنطق به نطقا صحيحا في علم يختص به وهو علم التجويد، كما أن علم الأصوات جزء من اللغة العربية وقد اتفق اللغويون على تقسيم أصوات اللغة إلى قسمين: الأول أصوات صامتة ويقصد بها جميع حروف اللغة العربية كحرف الهاء والحروف الانفجارية كحرف الدال والضاد والظاء والجيم والغين. أما القسم الثاني فهو أصوات الحركات وهي التي تجذب الحرف وتحركه وتقلقله وعُرفت بالحركات إشارة إلى الفتحة كالمد في الألف والكسرة في حالة المد في الياء والضمة في المد بالواو”.(12). ويعقد ابن جني في سر الصناعة، فصلا خاصا تحت عنوان أصوات اللغة العربية يشرح فيه كيف نتذوق حروف اللغة العربية ونحاول نطقها، ثم يتناول أهم خواص الحروف من حيث مرور الهواء حال النطق، ويذكر أن الهواء قد يقف وقوفا تماما في أصوات اللغة العربية كحرف الدال والطاء، وقد يمر الهواء خفيفا دون وقوف  كحرف السين والذال وتسمى بالحروف الاحتكاكية، غير أن مجرى الحروف قد يتسع ولا يعوق الهواء أي عائق كحرف والواو والياء.” كما ميز لغويو الأصوات العربية بين الأصوات والحركات فالأصوات هي أصوات الحروف المنطوقة وأما الحركات في حروف المد كمثل الواو في حوض والألف في سماء والياء في بيت..( 13) .            

وثمة لطيفة أخرى في خصائص الأصوات العربية وذلك حين تقول بمد الصوت جاء أحمد من مكان بعيد بمد الياء، وبنفس الجملة بدون مد الياء. ففي الأصوات العربية تستشعر في الجملة الأولى توافق وتناسق بين مدلول الصوت ومفهوم الكلمة.

  • ومن خصائص اللغة العربية المرونة:

ويقصد بالمرونة أنها لغة سهلة وليست جامدة تأخذ بالمصطلحات الجديدة وتحتويها، والمرونة هي الطواعية التي تلاقيها هذه اللُّغة، وذلك في تقليبها أو تقليب عناصرها على أوجهها المختلفة، وحرية تناول المفردات من جميع اللغات ضمن محيط اللغة وقوانينها الصرفية، مما يفسح مجالا واسعا لهذه اللُّغة في أدائها أو استعمالها. الأمر الذي جعلها لغة ثرية جدا بالمعاني الجديدة، مع المحافظة على المعاني والمفردات القديمة وتتجلى تلك المرونة في عدة أمور:

  • الاشتقاق: وهو أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما في المعنى والمادة الأصلية للكلمة. ويعرف الاشتقاق بأنه توليد بعض الألفاظ من بعض، والرجوع بها إلى أصل واحد يحدد مادتها.  ( 14).

فالاشتقاق باختصار هو اقتطاع فرع من أصل يدور بتصاريفه حول ذلك الأصل. ومن أمثلة الاشتقاق: عالم ومعلوم ومتعلم، علاَّمة مشتق من الفعل علم ويسمى بالاشتقاق الأصغر وهناك نوع من الاشتقاق وهو الاشتقاق الكبير أو يسمى بالقلب اللغوي كمثل: حمد ومدح وكذلك جذب وجبذ وهناك الإبدال اللغوي وهو نوع من الاشتقاق كمثل نهق ونعق وكذلك السراط والصراط . 

  • النحت : من خصائص اللغة العربية : ويقصد بالنحت دمج كلمتين او أجزاء من كلمتين فأكثر لتدل عليها. ومن أمثلة النحت في اللغة العربية: البسملة وهي قولك بسم الله الرحمن الرحيم، والحوقلة وهي قولك: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والهيعلة: حي على وهي من المنادا، وسبحل: سبحان الله، والحمدله: الحمدلله، وهلل، قال: لا إله إلا الله و دمعز: أدام الله عزك.

ويقول الشاعر: أقول لها ودمع العين جار  

ألم يحزنك حَيْعَلة المنادي

ومن المركَّب العلمُ المضاف، وهم إذا نسبوا إليه نسبوا إلى الأول، وربما اشتقوا النسبة منهما، فقالوا: عَبْشَميّ وعَبْقَسيّ ومَرْقَسيّ في النسبة إلى عبد شمس وعبد القيس وامرئ القيس في كندة. وهو قليل الاستعمال في العربية. ومن الكلمات المألوفة في اللغة العربية وهي من النحت كلمة الصلدم وتعني الشديد الحافر وهي مكونة من كلمتين الصلد، والصدم.( 15).

  • الترادف: وهو من خصائص اللغة العربية ويعني اتفاق المعنى واختلاف اللفظ أو أن يدلّ أكثر من لفظ على معنًى واحد، وقد ذكره سيبويه في كتابه وقال أنه من باب لفظ المعاني اختلاف اللفظ والمعنى واحد. وبذلك أشار الأصمعي وابن خالويه وابن جني وابن سيده والفيروز أبادي في لسان العرب. ومن أمثلة الترادف: أوصاف السيف، يقول السيوطي: وأما أوصاف السيف والأسد والرمح وغير واحد فنخرج له خمسين ومائة اسم. ويقول كذلك: حدثني أحمد بن محمد بن بندار قال: سمعت أبا عبدالله بن خالويه الهمذاني يقول: جمعت للأسد خمسمائة اسم وللحية مائتين.(16).

ومن أمثلة الترادف في اللغة العربية: السيف، ويُقال له المهند والصارم والبتّار والحسام وغيرها من الأسماء، وكذلك الأسد، ويقال له الليث، والأشجع، والجسّاس، والغيّال، وملك الغاب، والضرغام وغيرها وقد أوصلها بعضهم إلى ثلاثمئة اسم، و من مترادفات الحزن: الغمّ، الغمّة، الأسى، والشجن، التّرح، الوجد، الكآبة، الجزع، الأسف، اللهفة، الحسرة، الجوى، الحرقة، واللوعة، وكذلك يماثله ويضارعه ويشابهه ويحاكيه…الخ.

  • التعريب: وهو من الخصائص الجديدة في اللغة العربية ويعني إدخال ألفاظ أعجمية إلى اللغة العربية على نحو يتلاءم مع خصائص اللغة العربية. ويعني التعريب: إدخال لفظ غير عربي في كلام العرب،وذلك بعد شيوعه على ألسنة الناس. إن مجامع اللغة العربية حتى الآن لم تعالج هذه المشكلة معالجة حاسمة، فهي تنتظر حتى يشيع اللفظ الأجنبي لدى العامة والخاصة، ثم تقوم بعد مدة طويلة بتعريب الكلمة الأعجمية، وذلك بعد شيوع اللفظة الأعجمية مثل (الراديو) والتلفزيون والكمبيوتر والسيارة والباص وغيرها الكثير من الكلمات.(17).

ونظرا لما تتميزبه اللغة العربية من الإحتواء والاتساع في المفردات والمعاني وتوليدها في كل زمان وبيئة فإن مجامع اللغة العربية اليوم هي الجهة المعنية بالتعريب وقد قامت بالتعريب على ثلاثة أنواع منه:

  • تعريب الأسماء وهو إبدال حرف أعجمي بحرف عربي كمثل: ديفيد وبالعربية داؤود، وجوزيف: يوسف، وإبراهام: إبراهيم، وصوفيا: صفية.
  • تعريب المعنى: كمثل التلفزيون: الرائي بالعربية، والراديو: المذياع، والباص، الحافلة بالعربية، والسندوتش: الفطيرة.
  • تعريب اللفظ الأجنبي بدون تغيير فيه: كمثل إسمنت.
  • ومن خصائص اللغة العربية: الاشتراك ويقصد به تعدد المعاني للكلمة الواحدة على سبيل الحقيقة لا المجاز. يقول السيوطي: “وذلك بأن يضع أحدهما لفظا لمعنى ثم يضع نفس المعنى لشيء آخر”. ومثال ذلك كلمة العمُّ: وهو أخو الأب، وتعني كذلك: الجمع الكثير.قال الراجز :                                                             ي           يا عامر بن مالك يا عمَّا      أفنيت عما وجبرت عمَّا

وكذلك مشى يمشي: من المشي، ومشى إذا كثرت ماشيته، وفي التنزيل قوله تعالى: “أن امشوا واصبروا على آلهتكم” سورة ص آية 6.( 18). كذلك الحال لكلمة النَّوى وتعني: الدار والنية والبعد.

  • ومن خصائص اللغة العربية: التضاد ويسمى بالطِّباق: ويقصد بالتضاد في اللغة العربية هو ذكر كلمتين متضادتين في المعنى في جملة واحدة وذلك بهدف تقوية المعنى. ومثال ذلك الحلال والحرام والسماء والأرض وذلك عكس القوة الضعف وتضاد الخير الشر…الخ. وفي القرآن الكريم قوله تعالى :” فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا” سورة التوبة آية 82. وقوله تعالى :” وتحسبهم أيقاظا وهو رقود” سورة الكهف آية 18.
  • التعويض: وهو من أساليب اللغة العربية وخصائصها ويعني إقامة كلمة مقام كلمة أخرى مشتقة منها. كإقامة المصدر مقام الأمر كمثل “”صبرا آل ياسر. بمعنى اصبروا، وإقامة الفاعل مقام المصدر وقد ورد ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالي: ” ليس لوقعتها كاذبة” سورة الواقعة آية (2). وكاذبة اسم فاعل أي تكذيب . وإقامة المفعول مقام المصدر كقوله تعالى: ” بأيكم المفتون” أي الفتنة.

ومن التعويض قول الشاعر :

 دع المكارم لا ترحل لبغيتها     واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فالطاعم : تعويض عن المطعوم. والكاسي تعويض عن المكسو. ويكون التعويض دائما يقوم مقام الفعل وذلك في المعاني الاشتقاقية والمصدر، والهدف منه تقوية المعنى والارتقاء بالمعنى إلى البلاغة.  

  • القياس ويعرف كذلك بالتوليد : يعرف ابن الأنباري القياس بأنه: ” حمل فرع على أصل بعلة، وإجراء حكم الأصل على الفرع”. وهو حمل مجهول على معلوم، ويمكن تعريف القياس هو أخذ المعاني المستحدثة وقياسها على ما هو موجود من كلام العرب بما يوافقها. مثال ذلك قياس صحافة وطباعة على زراعة وتجارة.( 19).فالمولّد من الكلام، يتمثّل فيما استحدث واكتسب طابع الجدّة والابتكار؛ فهو عربي البناء، أعطي في اللغة الحديثة معنى مختلفا عمّا كان العرب يعرفونه، ومن المولّدات المبتكرات: الجريدة، المؤتمر، الحافلة، المطعم، الصحافة ،آداب السلوك، و علم تدبير المال: الاقتصاد، المجلّة، السيارة، الطائرة… الخ، وهذا لضرورة مسايرة اللغة العربية للفكر والتطوّر؛ لأنّ حاجة المتكلّمين، تقتضي هذا التّجديد، وإلاّ أصيبت اللّغة بالجمود و الجفاف وعدم القدرة على مواكبة ركب الحضارة الإنسانية ومستجدَّاته في كلّ الميادين وأصبحت إلى الضعف والتلاشي أقرب منها إلى الحياة والبقاء.( 20).

ومن خصائص اللغة العربية الخصائص النحوية والصرفية وتتجلى في :

  1. الإعراب : أحد أهم خصائص اللغة العربية ويعرف الإعرب في اللغة بأنه الإظهار والإبانة كما يعرف بأنه تغيير أحوال أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا أو تقديرا. وأنواع الإعراب أربعة: رفع ونصب وجر وجزم. أما الرفع والنصب فيشتركان في الاسم والفعل، وأما الجر أو الخفض فيختص بالاسم، والجزم يختص بالفعل. فلا اسم مجزوم ولا فعل مخفوض.( 21)، ونظام الإعراب متفردة به اللغة العربية دون بقية اللغات في العالم، ومن خلاله يعرف الكلام ويفهم، ويتدبر القرآن ويتذوق الأدب ومن خلال الإعراب يفحص الشعر وتبلغ العربية جمالها وتأثيرها في النفس، وفي الإعراب إجلال للكلمة من الانحراف في النطق أو الخطأ في اللفظ. ويقول ابن جني:” والإعراب ليست حليةً لفظيةً أو علاماتٍ لا تفيد معنى، إذ هناك ارتباطٌ وثيقٌ بين الإعراب والمعنى. ( 22).

ومن أمثلة الإعراب التي يزول فيها اللبس :

من القرآن الكريم قوله تعالى: “وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ” سورة البقرة آية 124 حيث تقدم المفعول به إبراهيم على الفاعل وهو ربُّه. كما أنه بالقرينة يعرف الإعراب في الكلام ومن ذلك : دخل المستشفى عيسى. فبالقرينة يتضح بأن عيسى فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة منعا من ظهورها التعذر. وكذلك للإعراب وظيفة أخرى وهي التقديم والتأخير في المبتدأ والخبر والفعل والفاعل والمفعول به. بحسب سياق الكلام ومن ذلك في تقديم الخبر قوله تعالي: ” وفي السماء رزقكم وما توعدون” سورة الذاريات آية 22.

وفي النحو يقول الإمام عبدالقادر الجرجاني في كتابه دلائل الإعجاز: “وأما زهدهم في النحو، واحتقارهم له، وإصغارهم أمره، وتهاونهم به، فصنيعهم في ذلك شنيع، وأشبه بأن يكون صدَّا عن كتاب الله وعن معرفة معانيه”. (23).

ومن خصائص اللغة العربية الخصائص البلاغية والبيانية ومنها:

  1. المجاز: وهو من الخصائص التي اختصت وتميزت بها اللغة العربية وباب المجاز واسع جدا ويقصد به استعمال كلمة في غير معناها الحقيقي الذي وضعت له. والمجاز قسمان مفرد ومركب كما أن المجاز تبعا للعلاقة ينقسم إلى قسمين: استعارة ومجاز مرسل. وصفوة القول في ذلك: أن استعمال الكلمة في غير ما وضعت له لعلاقة المشابهة يفضي إلى الاستعارة، واستعمالها هكذا لعلاقة غير المشابهة يفضي إلى المجاز المرسل.( 24).

ومثال ذلك: رأيت أسدا يعلم الناس فنون الحرب. فإن العلاقة بين الأسد بمفهومه المجازي والسبع بمفهومه الحقيقي هي المشابهة في الإقدام وهذا ما يسمى بالاستعارة وهي من المجاز. في حين قولك: رعت الماشيةُ الغيث فهنا العلاقة ليست المشابهة وذلك لأن العلاقة بين الغيث والنبات هي السببية – أي أن الغيث سبب للنبات والنبات سبب لرعي الماشية- فهنا يسمى المجاز مرسلا. ويقول السيوطي: ” وإنما يقع المجاز ويُعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة وهي: الاتساع، والتوكيد، والتشبيه، فإن عدمت الثلاثة تعيَّنت الحقيقة، وقد اجتمعت الثلاثة في قوله تعالى : ” وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ” سورة الأنبياء آية 75، ففي الآية مجاز وفيها تحققت المعاني الثلاثة.( 25).

  1. ومن خصائص اللغة العربية: الإيجاز الـذي يعـد مـن أهـم  السمات والخصائص التي تميز اللغة العربية ويختصر الكلام الكثير في المفردات القليلة كما يختصر الإيجاز الجهـد والوقـت. والإيجاز وضع المعاني الكثيرة في ألفاظ أقل منها، وافية بالغرض المقصود، مع الإبانة والإفصاح، كقوله تعالى: “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” سورة الأعراف آية 199، فهذه الآية القصيرة جمعت مكارم الأخلاق بأسرها. وكقوله عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات.» (26). وقد أفرد القاضي الجرجاني باب في الإيجاز سماه باب الحذف ونكته. وذلك لأن الإيجاز في الحقيقة حذف ما يستغنى عن الكلام أو يفهم المعنى بدونه، وقد يكون الإيجاز في حذف حرف وفي حذف  كلمة وفي حذف جملة أما الإيجاز في حرف فمثال ذلك في قوله  تعالى: ” ولم أكُ بغيا” سورة مريم آية 20، وأكُ أصلها أكن. وأما في حذف كلمة فمثال ذلك قوله تعالى: ” ومن تاب وعمل صالحا”. أي عمل عملا صالحا. فحذفت كلمة عملا. وأما الإيجاز في فقرة فمثال ذلك قوله تعالى: “مكانكم أنتم وشركاؤكم”. سورة يونس آية 28 . وهنا حذفت الجملة أي -انتظروا مكانكم حتى يفصل بينكم الله أنتم وشركاءكم.( 27).

ومن أمثلة المجاز في الأدب العربي:

قول الإمام الشافعي – رحمه الله –

لا تنه عن خلق وتأتي بمثله         عار عليك إذا فعلت عظيم

حيث حذفت كلمة القبيح أي لا تنه عن خلق قبيح وتأتي بالفعل القبيح فذلك عار.

  1. ومن خصائص اللغة العربية الإطناب: وهو عكس الإيجاز ويعني الإطناب: زيادة اللفظ على المعنى لفائدة، أو هو تأدية المعنى بعبارة زائدة عن متعارف أوساط البلغاء لفائدة تقويته وتوكيده. وأمثلة الإطناب في اللغة العربية كثيرة منها في قوله تعالى: “حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى”. سورة البقرة آية 238، وفائدته لبيان خصوصية وفضل الصلاة الوسطى على بقية الصلوات. وكذلك من الإطناب ما يدل على التوكيد كقوله تعالى: ” كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون”  سورة التكاثر آية 4. وقوله تعالى: ” فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ” سورة الشرح آية 5,

ومن الإطناب ما يأتي على سبيل الحشو كقول زهير بن أبي سلمى في معلقته:

وأعلم علم اليوم والأمس قبله      ولكنني عن علم ما في غد عمي

وذلك من الحشو فحيث من الطبيعي أن يعلم خبر اليوم الذي فيه واليوم الذي مضى.

وكذلك من الحشو في الكلام قول الشاعر أبي العيال الهذلي يرثي ابن عم له:

      ذكرتُ أخي فعاودني      صداع الرأس والوصب   

فذكر الرأس حشو لأن الصداع لا يكون إلا في الرأس.

  1. الاتباع : وهو من خصائص اللغة العربية، ومن سنن كلام العرب أيضا، ومعناه أن تتبع الكلمةُ كلمةً أخرى على وزنها أو رويها إشباعا وتأكيدا.( 28). ويذكر السيوطي في مزهره أن بعض العرب سئل عن ذلك،  فقال: هو شيء نَتِدُ – أي نثبت به كالوتد- كلامنا. ومن أمثلة الاتباع قول العرب: ساغب لاغب، وهو خَب ضَبٌ، وكذلك خراب يباب. قال الكسائي: وإنما سمي الإتباعُ إتباعا،  وذلك لأن الكلمة الثانية تابعة للأولى على وجه التوكيد لها. ومن ذلك عطشان نطشان، وجائع نائع، وحسن بسن.( 29). وهنا ملاحظة مهمة وهي أنه لا يتكلم ولا ينطق في الإتباع بالكلمة الثانية منفردة مستقلة عن الكلمة الأولى وإنما لا بد من نطق الكلمة الأولى ثم إتباع الكلمة الثانية ولهذا سمي الاتباع اتباعا، وقد اختصت به اللغة العربية وهو من سنن كلام العرب التي ألفوها واستعملوها كثيرا في كلامهم.

وفي أمالي القالي: يقولون شقيح نقيح، وكثير بثير، ووحيد قحيد، وخاسر دامر، وفدم لدم – أي بليد- و أشقَّ أمقَّ – أي طويل- (30).

  1. الإبدال: وهو من خصائص العربية وسنن العرب ومعناه: إبدال الحروف وإقامة بعضها مكان بعض، ومثال ذلك مدح ومد، وجذَّ، وجدَّ، وصقع للديك، وسقع، وفاض أي مات وفاظ: امتلأ، وكذلك صراط وسراط ومسيطر ومصيطر، ومكة وبكة.(31).

ومن خصائص اللغة العربية الخصائص الشعرية :

  1. العروض: وهو العلم الذي يدرس خصائص الشعر وأوزانه، ومن مهام هذا العلم الذي تتفرد به اللغة العربية أنه يهدف إلى تعريف الوحدات المكونة للوزن، وتحديد قوانين تركيبها، ووضع القواعد التي تخضع لها القصيدة العربية، والتي تتكون من ستة عشر بحرا. 32).
  2. ومن سنن العرب قلب الكلام في الكلمة الواحدة، وذلك نحو جذب وجبذ، وبكل ولبك، وطمس وطسم. كما ورد ذلك أيضا في القرآن الكريم في قوله تعال: “ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة” سورة القصص آية 76، وإنما العصبة، أولو القوة، تنوء بالمفاتيح.(33).
  3. ومن خصائص اللغة العربية تسمية المتضادين باسم واحد ومثال ذلك من كلام العرب: القروء : ويسمى بها الأطهار وللحيض كذلك، والندُّ: المثل والضد، وكذلك الزَّوج تطلق: للذكر والأنثى، والقانع: تطلق للسائل والذي لا يسأل، والناهل: العطشان والريان، والعروس: تشمل الذكر والأنثى وكذلك السُّدْفة: الظلمة وتعني الضوء، والصريم الليل والصبح، والجلل الشيء الكبير والصغير، والناهل: العطشان والريَّان، والصَّارخ: المغيث والمستغيث، والظن: اليقين والشك.(34).
  4. ومن خصائص العربية أن للعرب كلام يخص الخير فقط ولا يكون مع الشر ومعاني للشر فقط ولا تكون مع الخير ومثال ذلك : هاج الفحل وهاجت الفتنة وهاجت الحرب، فهاج لا تستعمل إلا في الشر فقط وكذلك التأبين: لا يكون إلا مدحا للميت وذكر محاسنه، نفشت الغنم: والنفش لا يكون إلا في الليل وفي النهار يقال رعت الغنم فالرعي لا يكون ليلا.( 35). كذلك الريح في القرآن  تستعمل في الشر والهلاك يقول تعالى : ” إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر” سورة القمر آية 19 ، والرياح: تستعمل في الخير، كقوله تعالى:” وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته” سورة الأعراف آية 57 .
  5. ومن سنن العرب: التصغير وهو تصغير الأسماء على سبيل التحقير كقول المتنبي في هجائه لكافور الأخشيدي: أولى اللئام كويفير بمعذرة      في كل لؤم وبعض العذر تفنيد، أو حسن الملاطفة: كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: ” يا حميراء”، ومن التصغير ما يكون إكرام ورحمة: كمثل تصغير يا أخي: يا أخيَّه ، ويا بُنيَّ: تصغر على بنيَّه، وكذلك تصغير الجمع كمثل: دراهم: دريهمات، ودنانير: دُنَيْنِيرات، وغلمان على أغيلمة.().
  6. ومن سنن العرب أن تجري مالا يعقل مجرى العاقل كقول عبدة بن الطيب :

إذ أشرف الديك يدعو بعض أسرته        إلى الصباح وهم قوم معازيلُ

حيث جعل للديك أسرة وقوم.

وكذلك هلال بن سعيد العماني مخاطبا البحر:

أبا خالد ظني لتحفظ غيبتي     وقد خاب ظني خيبة إثر خيبة

  • من خصائص اللغة العربية التي لا تفرد المثنيات: ويقصد بها متلازمة ثنائية من معاني اللغة العربية  كالقمران والأسودان والأحمران…

كقول الشاعر:

ولكنه يأتي إلى الحول كاملاً … وماليَ إلا الأبيضينِ شَرابُ

الأبيضان : الماء والخبز

ومن المثنيات التي وردت في كلام العرب: الأبردان وتعني، الغداة والعشيّ، والأصرمان: الذئب والغراب لأنهما انصرما عن الناس، أي انقطعا، والأسودان: التمر والماء، والأحمران: الخمر واللحم، والأبوان: الأب والأم، والجديدان: الليل والنهار، والثقلان: الإنس والجن ورد ذكرهم في القرآن الكريم يقول تعالى “سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ” سورة الرحمن آية 31. (36).  

  • الكنية: يقول الزمخشري في ربيع الأبرار لم تكن الكنى لشيء من الأمم إلا للعرب، وهي من مفاخرها كقول الشاعر :

             أكنيه حين أناديه لأكرمه     ولا ألقبه والسوءة اللقبُ

والذي دعى العرب إلى التكنية الإجلال بالاسم عن التصريح به، ومن أمثلة الكنى: أبا الزهراء، أبا الخليل، أم المساكين، أبا المسك، أبا عبدالله…الخ.

  • من سنن العرب كثرة الأمثال والحكم: يقول المبرِّد والمثل مأخوذ من المثال، وهو قول سائر يشبه به حال الثاني بالأول، والأصل فيه التشبيه. فحقيقة المثل كالعلم بالتشبيه بحال الأول كقوله سبحانه وتعالى:” ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء”  وقول الرسول صلى الله عليه وسلم :” إنما مثل الجليس الصالح، وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير” . وفي الشعر قول زهير بن أبي سلمى:

   كانت مواعيد عرقوب لهم مثلا        وما مواعيدهم إلا الأباطيل

فمواعيد عوقوب علم لكل ما لا يصح من المواعيد.

وقول المتنبي:

فطعم الموت في أمر حقير     كطعم الموت في أمر عظيم

ويقول ابن السكيت: المثل لفظ يخالف لفظ المضروب له، ويوافق معناه معنى ذلك اللفظ.

وقال إبراهيم النظام تجتمع في الأمثال أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية، فهو نهاية البلاغة.

قال ابن المقفع: إذا جعل الكلام مثلا كان أوضح للمنطق، وآنق للسمع، وأوسع لشعوب الحديث. ويقول الميداني: فمثل الشيء ومثلُه، وشبَهَه وشبهه، ما يماثله ويشابهه قدرا وصفة. (37). ولا يشترط في المثل أن يكون الشبيه فيه مطابقا له من كل الوجوه بل قد يكتفي منه بملمح أو غرض ولو كان بسيطا، كما أن المثل قد يكون بسيطا وقد يكون مركبا.

ومن الأمثال ما يكون في القرآن الكريم كقوله تعالى: ” إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ” سورة آل عمران آية 59. ومن أمثال القرآن الكريم قوله تعالى :” مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ “. سورة البقرة آية 261، ففي هذا المثل إثارة الطمع في نفس الإنسان بمحرض ذاتي عما يراد توجيهه له.( 38).

ومنها ما يكون من كلام الأنبياء والمرسلين كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إنَّ من البيان لسحرا” وقوله عليه الصلاة والسلام: ” إنَّ المنبتَّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى” .

ومن أمثال اللغة العربية: إنَّ لله جنودا منها العسلُ – إنَّ المعاذير يشوبها الكذبُ- أخوك من صدقك النصيحة – إذا زلَّ العَالِم زل بزلته العَالَمُ- أول الحزم المشورة- بالأرض ولدتك أمك – يضرب في الزجر عن الخيلاء والكبر-، التثبتُ نصف العفو، وذلك أن قتيبة بن مسلم دعا رجلا ليعاقبه فقال له: أيها الأمير التثبتُ نصف العفو، فعفا عنه، وذهبت كلمته مثلا. ومن أمثال العرب: جعل الله رزقه فوق فمه. والمعنى هذا دعاء على الشخص يكون رزقه قريب من فمه ولا يقدر أن يحصل عليه. ومن الأمثال الجميلة: نصف العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس. ويروى على أنه حديث. ومن أمثال العرب المشهورة: يداك أوْكَتَا وفوك نفخ. يضرب في قصة من ركب البحر وكان في جزيره ومعه زق قد نفخه ولم يحكم نفخهه حتى إذا توسط البحر صاح واستغاث فسمعه رجل قريب منه فقال: يداك أوكتا وفوك نفخ. ومن الأمثال: يا ربما خان النصيح المؤتمن. ويضرب في ترك الاعتماد على أبناء هذا الزمان.

ومن كلام أبي الحسن البصري – رحمه الله- ما رأيت يقينا أشبه بالشك من يقين الناس بالموت وغفلتهم عنه. وجاء من كلام العرب علامة الأحمق ثلاث: سرعة الجواب، وكثرة الالتفات، والثقة بكل أحد.( 39).

وقال محمد بن علي بن عبدالله بن عباس:” كفاك من علم الدين أن تعرف ما لا يسع جهله، وكفاك من علم الأدب أن تروي الشاهد والمثل”.(40).

  • البلاغة من سُنن العربِ المعروفة معهم:

يذكر الجاحظ في كتابه القيم البيان والتبيين عن البلاغة: قيل للفارسي: ما البلاغة؟ قال: معرفة الفصل من الوصل، وقيل لليوناني: ما البلاغة؟ قال: تصحيح الأقسام واختيار الكلام،

وقيل للرومي: ما البلاغة؟ قال: حسن الاقتضاب عند البداهة، والغزارة يوم الإطالة. وقيل للهندي: ما البلاغة؟ قال: وضوح الدلالة، وانتهاز الفرصة، وحسن الإشارة، وقال بعض أهل الهند: جِمَاع البلاغة البصر بالحجة، والمعرفة بمواضع الفرصة.

وقال معاوية بن أبي سفيان لصحار بن عياش العبدي: ما هذه البلاغة التي فيكم؟ قال:” شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا”. ثم قال له معاوية: ما تعدُّون البلاغة فيكم؟ فقال صحار: الإيجاز. فقال معاوية: وما الإيجاز؟ فقال صحار: ” أن تجيب فلا تبطىء وتقول فلا تخطيء”. وقال ابن الأعرابي،  قيل لابن عمر: لو دعوت الله بدعوات. فقال: ” اللهم ارحمنا وعافنا وارزُقْنا. فقال رجل: لو زدتنا يا أبا عبدالرحمن فقال: “نعوذ بالله من الإسهاب”.  (41).

ومجمل ما ذكر سابقا من خصائص اللغة العربية وسُننِ العربِ يدخل في البلاغة حتى غدت البلاغةُ علما له أصوله وفروعه وفنونه ومقسم إلى أقسام ثلاث : المعاني والبيان والبديع.

وفي ختام خصائص اللغة العربية وسنن العرب يتبين أن اللغة العربية لغة عظيمة في معانيها وجزلة في ألفاظها، شرفت قدرا بالقرآن الكريم وحفظت من الضياع والتلاشي، فكانت لغة العلم والعبادة والعمل والريادة تناولت كنوز المعرفة، وانفردت بخصائص مشرفة، دونتها ألسنة العرب فكانت سنن، وانكب عليها العجم فكانت قواعد وأصول، تقول زيغريد هونكه:” لقد حان الوقت للتحدث عن شعب قد أثر بقوة في الأحداث العالمية، ويدين له الغرب كما تدين له الإنسانية بالشيء الكثير”.(42) ومن جميل ما يختم في ذلك قول أبي منصور الثعالبي: ” من أحب الله، أحب رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن أحب النبي العربي، أحب العرب، ومن أحب العرب، أحب العربية التي نزل بها أفضل الكتب، على أفضل العجم والعرب”.(43).

المصادر و المراجع :

  1. الباقلاني، أبي بكر محمد بن الطيب .إعجاز القرآن. بيروت: دار إحياء العلوم،1994م.
  2. اللغة العربية وفوائدها مقال مسترجع من: https://www.thaqfya.com/noble-hadit-arabic-language بتاريخ 20/ 4/2020م.
  3. الزمخشري، أبي القاسم. المفصل في علم العربية. بيروت: المكتبة العصرية،2006م
  4. السيوطي، جلال الدين. الأشباه والنظائر في النحو. بيروت: المكتبة العصرية،2006م.
  5. سالم، محمد عدنان. القراءة أولا. دمشق، سوريا: دار الفكر، 2015م
  6. أبومنصور، الثعالبي. فقه اللغة. بيروت : المكتبة العصرية،2004م.
  7. السيوطي، جلال الدين. المزهر في علوم اللغة وأنواعها. بيروت: المكتبة العصرية،2004 م.
  8. العسيري، حازم. ﺧﺼﺎئص اللغة العربية الفصحى. مجلة البيان، العدد(1). 2018م.
  9. مصطفى، وآخرون.المعجم الوسيط. استانبول: دار الدعوة، 1989م.
  10. الضبيب، أحمد بن محمد. اللغة العربية في عصر العولمة، السعودية: مكتبة العبيكان،2001م.
  11. بشر، كمال محمد.الأصوات العربية، مصر: مكتبة الشباب، د.ت.
  12. ابن جني، أبي الفتح عثمان. سر صناعة الإعراب. دمشق: دار القلم.
  13. يلفي، ديوي. خصائص اللغة العربية، : مجلة الأديب، 2019م.
  14. ظاهرة النحت في بقلم: بقلم فرهاد ديو سالار مقال مسترجع من : https://www.diwanalarab بتاريخ 22/4/2020م.
  15. المبرد، أبي العباس محمد بن يزيد. الكامل. بيروت: دار الفكر،1998م.
  16. مرجع سابق، المزهر في علوم اللغة العربية، ص 384.
  17. منتدى مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية مقال مسترجع من : http://www.m-a-arabia.com/vb/ بتاريخ: 23/4/2020م.
  18. الثعالبي، أبي منصور عبدالملك بن محمد.فقه اللغة. بيروت: المكتبة العصرية، 2004م
  19. ناصيري، محمد والمير، محمد. القراءة والخصوصيات الفونولوجية للغة العربية. المجلة العربية، 2019م.
  20. عبدالعزيز، محمد حسن.القياس في اللغة العربية. القاهرة: دار الفكر العربي،1995م.
  21. أبي منصور عبدالملك بن محمد. خاص الخاص. بيروت: المكتبة العصرية، 2008م.
  22. وسائل توليد الألفاظ في اللّغة العربية، مقال مسترجع من: http://www.inst.at/trans بتاريخ 25/4/2020م.   
  23. الهاشمي، السيد أحمد.القواعد الأساسية في اللغة العربية. بيروت: دار الكتب العلمية،1998م.
  24. ابن جني، أبي الفتح عثمان. الخصائص. بيروت: دار الكتب العلمية، 2008م .
  25. الجرجاني، عبدالقاهر. دلائل الإعجاز في علم المعاني، بيروت : المكتبة العصرية، 2007م.
  26. العاكوب، عيسى علي. المفصل في علوم البلاغة العربية. دبي: دار القلم للنشر والتوزيع،1996م.
  27. الزمخشري، محمود بن عمر. أساس البلاغة. بيروت: المكتبة العصرية،2005م.
  28. لاشين، عبدالفتاح. البيان في ضوء القرآن الكريم. القاهرة: دار الفكر العربي، 2000م.
  29. الجاحظ، أبي عثمان بن بحر. المحاسن والأضداد. بيروت: المكتبة العصرية، 2006م.
  30. ابن قتيبة، أبي محمد عبدالله بن مسلم.أدب الكاتب. بيروت: دار المعرفة،2001م.
  31. الرماني، أبي الحسن علي بن عيسى. معاني الحروف. بيروت: المكتبة العصرية، 2008م.
  32. مرجع سابق، فقه اللغة، ص 420.
  33. الأنصاري، ابن هشام.شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب.بيروت:المكتبة العصرية،2005م.
  34.    المزهر
  35. القالي، أبي علي أسماعيل بن القاسم. كتاب الأمالي. بيروت: المكتبة العصرية،2008م.
  36. المرجع السابق، فقه اللغة، ص 418.
  37.  حركات، مصطفى. أوزان الشعر. القاهرة: الدار الثقافية للنشر، 1998م.
  38. شفيق،محمد . المثنيات في اللغة والأدب. مجلة الرسالة في اللغة والأدب. 2015م. 
  39.    الميداني، أبي الفضل أحمد بن محمد. مجمع الأمثال. بيروت: المكتبة العصرية، 2007م.
  40.  الميداني، عبدالرحمن حسن حنبكة. أمثال القرآن. بيروت: دار القلم،1992م.
  41.  الجاحظ، أبي عثمان عمرو بن العلاء. البيان والتبيين. بيروت: دار الكتب العلمية،1998م.
  42. هونكه،زيغريد. شمس العرب تسطع على الغرب. ترجمه، فاروق بيضون، بيروت:دار الجيل، 1993م
  43.  الثعالبي، أبي منصور. سحر البلاغة وسر البراعة. بيروت: المكتبة العصرية، 2006م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *