مراحل الرواية السعودية والسمات الهيكلية في السرد من ناحية الاجتماعي الفعلي

د. سفيان عبد الستار

الملخص

أجمع الباحثون والمؤرخون على أن عام 1930م، هو بداية الرواية السعودية إذ بدأ عبد القدوس الأنصاري بإصدار روايته التاريخية ‘التوأمان’. جاءت رواية ‘التوأمان’ ضعيفة من حيث مستواها الفني، ومحافظة في رؤيتها، حيث كان موضوعها الأساسي يعالج مشكلة العلاقة الحضارية بين الشرق والغرب. يعترف بعض الباحثين هذه المرحلة كمرحلة الهويّة والتجديد ويعتبر رواية ‘ثمن التضحية’ لحامد دمنهوري بداية لرواية فنية في هذا البلاد. أما المرحلة الثالثة تمتد من عام 1970م حتى إلى الآن  ويعرف هذه المرحلة مرحلة التحديث والانطلاق. ازدهار الخطاب الثقافي الحديث هو البداية الحقيقية لكل التحوّلات الجدّية في الوعي. ظهرت الخطاب الثقافي في الروايات السعودية في ثلاث نواحي. خضعت الرواية لكثير من المفاهيم التي تبدلت تبعا للظروف السياسية والاقتصادية وكذلك توظيف البنية السردية تنوّعت تبعا للمذاهب الأدبية والتطوّر التاريخي وتأثرت مجتمعات الغرب على الروايات وامتدت كثير من الروايات الأجنبية والأمريكية

          مقدمة

أجمع الباحثون والمؤرخون على أن عام 1930م، هو بداية الرواية السعودية إذ بدأ عبد القدوس الأنصاري بإصدار روايته التاريخية ‘التوأمان’ التي طبعت بمطبعة الترقي بدمشق وتبعها رواية ‘الانتقام الطبعي’ لمحمد نور الجوهري بعد خمس سنوات أي في سنة 1935م، وهي الأولى من حيث مكان الطباعة إذ انها طبعت من المطابع الشرقية بجدّة[1].

نشر الروائي والناقد السعودي د. سلطان سعد القحطاني بدراسة الرواية العربية في السعودية المعنونة ‘الرواية في المملكة العربية السعودية، نشأتها وتطورها1930-1989، دراسة تاريخية نقدية’ عام (1419هـ– 1998م) وأشار في المقدمة إلى ظهور الرواية في السعودية منذ عام (1930م)، وقد أصدر الباحثون والنقاد دراسات الروايات منذ سبعينيات القرن العشرين، وأولهم د. محمد عبد الرحمن الشامخ، الذي أصدر عام 1975م دراسة بعنوان ‘النثر الأدبي في المملكة العربية السعودية من 1900-1945م’، ثم د. بكري شيخ أمين وكتابه ‘الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية’ (1971م)، ود. إبراهيم الفوزان وكتابه ‘الأدب الحجازي الحديث بين التجديد والتقليد’(1981م)، ود. منصور الحازمي وكتابه ‘فنّ القصة في الأدب السعودي الحديث’ (1981م)، والباحث سحمي ماجد الهاجري وكتابه ‘القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية’ (1987م)، ود. السيد محمد ديب وكتابه ‘فن الرواية في المملكة العربية السعودية’(1989م)، ود. محمد صالح الشنطي وكتابه ‘فن الرواية في الأدب السعودي المعاصر’ (1990م)[2].

المرحلة الأولى: البداية التاريخية

يقسم الباحثون تطوّر الرواية السعودية إلى ثلاث مراحل، تبدأ المرحلة الأولى بصدور أوّل قصة سعودية لعبد القدوس الأنصاري سنة 1930م ويعدّها د. حسن الحازمي البداية التاريخية للرواية السعودية[3]وتسمى هذه المرحلة مرحلة النشأة والتأسيس. ثم ظهرت قصص متوسطة الطول ولكنها ضعيف من الناحية الفنية مثل ‘فتاة البوسفور’ لصالح سلام، وقصة ‘الانتقام الطبيعي’ لمحمد نور الجوهري ثم أصدر أحمد السباعي رواية فكرة سنة 1948م ورواية ‘أيامي’ لأبو زامل سنة 1954م وأصدر رواية ‘البعث’ لمحمد مغربي سنة 1948م وهي قصة طويلة تدعو إلى إصلاح الواقع الاجتماعي[4] ويلاحظ الباحثون أن الرواية السعودية نشأت وتطوّرت في بيئة الحجاز.

جاءت رواية ‘التوأمان’ ضعيفة من حيث مستواها الفني، ومحافظة في رؤيتها، حيث كان موضوعها الأساسي يعالج مشكلة العلاقة الحضارية بين الشرق والغرب. ورغم أهمية الموضوع، فإن الصراع قد حسم فيه لبيان عظمة الشرق وفساد الغرب دون مراعاة لنمو الشخصيات وفقا لأصول الفن الروائي. أبطال الرواية – رشيد وفريد – توأمان عاشا في تجربتين مختلفتين، رشيد الإبن الذي تعلم في المدرس الوطنية كان أكثر التزاما ورقيا علميا وإنسانيا، بينما أخو رشيد (فريد) الذي فضل أن يتعلم في المعاهد الأجنبية، خسر حياته لأن هذه المعاهد دفعته للفساد حتى ذابت شخصيته وخسر نفسه ودينه ومجتمعه. وهذه رؤية مسبقة ومتحيزة لم يترك الكاتب فيها للقارئ فرصة التأويل والاستنتاج، فجاءت الرواية فقيرة في مضمونها ضعيفة في بنيتها.

إلى جانب رواية التوأمان، ظهرت مجموعة روايات تتسق مع الخط الذي سلكته رواية التوأمان من حيث نزعتها الإصلاحية الاجتماعية مع فروق في درجات الوعي الروائي. ورواية فكرة لأحمد السباعي بوصفها الرواية الثانية التي بدت أكثر تعبيرا عن التطلعات الاجتماعية الحديثة. فمن خلال البطلة فكرة التي تنظر إلى واقعها، وتنظر إلى ما هو أبعد من واقعها رغبة في تلمس سبل النهوض. وهو توجه نطق به أصحاب التجديد من الكتاب والأدباء. ورواية ‘البعث’ لمحمد علي مغربي تطرح إشكالية العلاقة الحضارية مع الآخر الذي إضطره مرضه ان يبحث عن العلاج في خارج البلاد. وهي بناء مجازي لفكرة الإستفادة من الآخر. فأثناء غيابه يكتشف ما ينقص مجتمعه، وكأن ضرورة التعايش مع الآخر أبعد من مستواها المادي إلى إمكانية الاستفادة من التجارب الإنسانية في تصحيح أوضاع مجتمعه. وتنتهي هذه المرحلة برواية ‘الإنتقام الطبعي’ لمحمد الجوهري. وقد تميزت هذه المرحلة بطولها الزمني بدءا من عام 1930م إلى 1954م. ورغم هذا الطول النسبي فقد اتسمت هذه المرحلة بقلة الإنتاج الروائي، بالإضافة إلى ضعف المستوى الفني، غلبت على هذه الروايات النزعة الإصلاحية الاجتماعية.

المرحلة الثانية: البدايات الفنية

يعترف بعض الباحثين هذه المرحلة كمرحلة الهويّة والتجديد ويعتبر رواية ‘ثمن التضحية’ لحامد دمنهوري بداية لرواية فنية في هذا البلاد ويطلق كلمة فنية على هذه الرواية كأنها مقابل لرواية المغامرات أو رواية الحادثة والتي ساهمت بغير قليل في المرحلة الأولى. تحلّ رواية ‘ثمن التضحية’ مكان الريادة في هذه المرحلة حيث شكلت قفزة فنية وبداية وإعادة للتطور الفني في صناعة الرواية. فقد بدت أكثر الروايات استعدادا لتقديم رؤية جريئة مفارقة للواقع. وهي رواية ترصد ملامح التغير الاجتماعي في مكة في مرحلة الأربعينيات الميلادية من خلال نمو الشخصية الرئيسية أحمد منذ طفولته وحتى ذهابه إلى القاهرة لمواصلة دراسته. نرى أن حبكة رواية ‘ثمن التضحية’ تدور حول أحمد، الشخصية الرئيسية في الرواية وعلاقته بابنة عمه فاطمة الأمية التي أحبها منذ صغره. وعندما أنهى دراسة الثانوية، عقد قرانه عليها على أن يتم الزواج بعد عودته من دراسته في مصر. وهناك في مصر يتعرف على فائزة الوجه الآخر لفاطمة، لكنها متعلمة ومثقفة، وهو الشيء الذي تفتقر إليه فاطمة. وفي هذه المرحلة يصدر حامد دمنهوري روايته الثانية، ‘ومرت الأيام’، سنة 1963م، وإذا كانت قد حرصت الرواية على تقدم الملامح الاجتماعية في مكة وجدة من خلال سير الأحداث، فإنها كانت أقل فنيا، حيث جاءت متراجعة عن المستوى الفني الذي بشرت به رواية ثمن التضحية، في الوقت الذي كان القارئ ينتظر نضجا فنيا أكبر في رواية ‘ومرت الأيام’[5].

وفي حقبة الستينات يظهر إبراهيم الناصر بمجموعة أعمال روائية، ولعله الكاتب الأوحد الذي امتدت تجربته منذ أوائل الستينات وحتى الوقت الحالي. في هذه المرحلة أصدر روايتين هما؛ ‘ثقوب في رداء الليل’، (1961م) وسفينة الموتى’(1969م)، وأعاد نشرها في عام 1989م تحت عنوان سفينة الضياع، وقد برر الناصر إعادة الطبع بنفاد الكمية، لكنه لم يبرر تغيير العنوان[6]. تطرح رواية ‘ثقوب في رداء الليل’ أزمة العلاقة بين القرية والمدينة، وهو موضوع يطرح لأول مرة في الرواية السعودية منذ بداية ظهورها في عام 1930م. وهذا الموضوع سيصبح في رواية الثمانينات من أكثر الموضوعات حضورا وخاصة في روايات عبد العزيز مشري. العلاقة بين القرية والمدينة يكمن في إختلاف القيم، من إنسانية النزعة إلى براغماتية نفعية. في رواية ‘ثقوب في رداء الليل’ تضطر العائلة إلى عودة القرية رغبة في إستعادة قيمها التي بدت غريبة في عالم المدينة. وإذ تعود العائلة للقرية يُلمح إبراهيم الناصر إلى فشل التعايش بين القيم الأصيلة وبين القيم المستحدثة في المدينة. أما رواية ‘سفينة الموتى’ فهي تقدم الوجه المؤلم للمدينة، حيث تدور الأحداث في المستشفى المركزي في الرياض في مرحلة الستينات. وقسوة العنوان تبرره أحداث الرواية التي يتصاعد منها رائحة الموت. وهي إجابة رمزية لإنحلال القيم في المدينة.

المرحلة الثالثة: التحديث والانطلاق

أما المرحلة الثالثة تمتد من عام 1970م حتى إلى الآن[7]  ويعرف هذه المرحلة مرحلة التحديث والانطلاق وتتميز هذه المرحلة بغزارة الإنتاج حتى تجاوزت مائة عمل روائي وظهرت فيها طرائق مختلفة ومتنوّعة في أساليب السرد. وفي هذه المرحلة، تحوّلت كثير من كتاب القصة القصيرة إلى كتابة الرواية مثل عبد العزيز مشري وعبده خال، كما دخلت الكتاب من مجالات بعيدة عن السرد في ميدان الرواية مثل تركي الحمد ود. غازي القصيبي وعلي الدميني.

تمتاز هذه المرحلة حيث تبدأ مسيرة التنمية الاقتصادية وما واكبها من طفرات اقتصادية واجتماعية. وتعد مرحلة بداية انفتاح المجتمع وتحسن وضعه الاقتصادي وزيادة رقعة التعليم وتنوع قنواته وبداية مخرجاته التي أخذت تلامس حركة المجتمع. ونحن لا نشك في أن هناك عوامل خارجية كثيرة ساهمت في التحوّل من مجتمع محدود التجربة إلى مجتمع اتسعت تجاربه واحتكاكه بتجارب المجتمعات الأخرى.

ويسجل لهذه المرحلة والتي تليها بدء تسارع إيقاع الإنتاج الروائي وزيادة تراكمه، وتنوع موضوعاته وتطور تقنياته. فإذا كانت المرحلتين الأوليين قد ساهمتا في صياغة المشهد الروائي، فإنهما قد عجزتا عن تحقيق إختراق ملحوظ سواء في زيادة المنتج الروائي الذي ظل في خانة العشرات لأكثر من خمسين عاما[8]، أو في تحقيق حضور لافت للرواية مقارنة بالشعر في مسيرة الأدب السعودي.

إيقاع الرواية السعودية

نمكن أن نعتبر روايات عبد العزيز مشري مرحلة انتقال من البطء في صناعة الفعل الروائي إلى إيقاع أكثر تسارعاً من ناحيتين: أوّلا؛ التراكم الروائي الذي قدمه الكاتب، حيث قدم خمس روايات خلال عشر سنوات هي؛‘الوسمية’ و‘الغيوم ومنابت الشجر’ و‘ريح الكادي’ و‘الحصون’ و‘في عشق حتى’.

الثاني: تقديمه لرؤية اتسمت بالبحث عن نقاء الإنسان في واقع متغير. وتبدو رواياته للوهلة الأولى معادية للتمدن، غير أنها في حقيقة الأمر، تطرح سؤال الهوية. لم يكن حضور المشري طارئا في فضاء الرواية، فقد بدأ كاتباً للقصة القصيرة حتى عام 1986م عندما أصدر أولى رواياته ‘الوسمية’[9].

واجهت رواية سعودية تحوّلات عديدة من الناحية الخطابة والفن والتركيب، وقراءة سياقية تقتضي النظر للمكونات الخارجية التي شكلت الخطاب الروائي. فالرواية من الأعمال التي تتغذى في وجودها من إيقاع المجتمع من حيث التحولات الكبرى التي تقع في محيطه أو تصب في أعماق كيانه. وهذا البحث يمتاز بمعالجتها عن التغير الحديث الذي أصابها بعد حادثة 11 سبتمبر، وهي التي شكلت السياسة العالمية عامّة وسياسة البلد خاصة. وتتغذى الرواية على ما يقدمه المجتمع من هامش للروائي في خلق أجوائه الروائية. وهذا لا يعني أن الروائي يجب أن يحجم عن المغامرة في سعيه عن كشف المسكوت عنه في الخطاب الاجتماعي المعلن.

إننا نرى أن أقرب وصف لتجربة الرواية في ضوء السياقات الخارجية هو ما يمكن أن نصطلح عليه بالإيقاع. ومن هذا المنطلق فإن النظر للرواية السعودية على إمتداد تاريخها لا تخرج عن كونها تجربة إيقاعها، أحدهما بطيء والآخر متسارع، لمقاربة مفهوم الإيقاع ومعرفة حصيلة تفاعله مع حركة الواقع يجدر بنا أن نقرأ خارطة الرواية من منظور التحولات الكبرى وعلاقتها بطبيعة المجتمع المحافظ. ولعل قراءة من هذا النوع تشكل مدخلا مهما يمكن أن نقيس عليه تطورات التجربة الروائية منذ صدور رواية التوأمان في عام 1930م وحتى الوقت الراهن. ويتحدد مفهوم الإيقاع بحجم الحضور الروائي وتراكمه من ناحية، وقدرته على تحقيق فاعلية إجتماعية في تفكيك خطابات المجتمع[10].

التحول المؤثر في مسيرة الرواية السعودية يأتي في فترة التسعينيات الميلادية وبداية الألفية الثالثة، من حيث احتلالها للمشهد الأدبي، ومن حيث قدوم أسماء من خارج الكتابة السردية التقليدية للإسهام في كتابة الرواية مثل تركي الحمد الأكاديمي، وغازي القصيبي الشاعر، ومن حيث تعزز تجارب سردية بشكل أكبر حضورا مثل روايات عبده خال، ويوسف المحيميد، ومحمد حسن علوان، وعبد الحفيظ الشمري، وعبد الله التعزي، إضافة إلى ذلك، حضور المرأة بصفتها الروائية، مثل رجاء عالم، ونوره الغامدي، وليلى الجهني، ومها الفيصل، ونداء أبو علي، ورجاء الصانع، وبدرية البشر، وأميمة الخميس، وغيرهن.

كل ذلك يطرح تساؤلا حول طبيعة التحول. أن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كانت عميقة الأثر في السياق الروائي إلى حد بعيد. ففي مطلع التسعينيات فوجئ العالم بغزو الكويت ووقوع المنطقة بأسرها في دوامة حرب الخليج التي ما زالت تداعياتها تتجدد وتتبع سياسيا وعسكريا واقتصاديا حتى يومنا هذا. كما أن هناك حدثا لا يقل أهمية وهو انفتاح المجتمع بشكل لافت منذ أوائل التسعينيات من خلال الفضائيات التلفزيونية والإنترنت. أما الحدث الأبلغ تأثيرا ليس على المجتمع السعودي فحسب، بل على العالم العربي والإسلامي قاطبة فهو أحداث 11 سبتمبر في 2001م وما ترتب عليها من تبعات على العالم العربي.

الخطاب الثقافي في الرواية

ازدهار الخطاب الثقافي الحديث هو البداية الحقيقية لكل التحوّلات الجدّية في الوعي. ظهرت الخطاب الثقافي في الروايات السعودية في ثلاث نواحي وهي؛ 1. تصدع الحكايات التقليدية، 2. بروز الذات الفردية المستقلّة، 3. وضوح الرؤية النقدية وتنوّع مجالات التعبير[11]

أن الثقافات التقليدية كلها مؤسسة على حكايات كبرى يغذونها جيلا بعد جيل. فهي تقدم تفسيرات للعالم في المستوى النظري وتأويلات للوجود وتعطي للحياة والموت معنى وقيمة. الدراسات ما بعد الحداثة يوثق أن لكل شعب وأمّة حكايات عريقة في الزمن راسخة في المكان، ظلت إلى وقت قريب في مرتبة الحقيقة التي لا مجال للشك فيها[12].

تحوّلت الثورات الفكرية والمعرفية المتوالية النظريات والإقترابات نحو الحياة وبدأ ملايين البشر من مختلف القارات ان يلتقوا ويتحاوروا على مدار الساعة في فضاءات إفتراضية متنوّعة. لقد تغير وجه العالم حتى أصبح قرية كونية صغيرة حقيقة ومجازا. ولا شك فيه أن أسلافنا أنجزو ثقافة عريقة غنية، انتشرت في مختلف القارات وأثرت بصيغ متنوعة في بلايين البشر وأسهمت بشكل فعال في الحضارة الإنسانية مثلها مثل الثقافات الكبرى شرقا وغربا. بالموجز أن الرواية السعودية هي حكاية فردية عادة ما تكون مناقضة ومعارضة للحكايات الكبيرة، سواء تعلّقت بالأسرة أو المجتمع أو الأمّة. إن بروز الذات الفردية الجديدة كثيرا ما يتجلّى روائيا في ثلاثة نماذج بارزة تتكرر في جل النصوص.

الأوّل: ما يتعلّق بشخصية المثقف المعارض للسلطة بمعناها الواسع ويبدأ بذور رفض التسلط من البيت كما نجده في ‘ثلاثية’ تركي الحمد و‘الغيمة الرصاصية’ لعلي الدميني تمثيلا لا حصرا.

الثاني: يخص شخصية المرأة المتمرّدة التي لم تعد تتقبل الوصاية حتى من أقرب الناس إليها، ولذا فقد تضحي بسعادتها وربما بحياتها من أجل كرامتها كما تشخصه روايات ليلى الجهني وصبا الحرز وقماشة العليان وبدرية البشر وبعض الروايات النسوية لتركي الحمد ويوسف المحيميد.

الثالث: هذا النوع يتعلّق بشخصية الإنسان البسيط المسحوق الذي يورطه المجتمع ذاته في وضيعة شقية يحاول الخلاص منها بكل الوسائل الواردة، لكنه نادر ما ينجح لأنه فرد فقير ضعيف أعزل، ولعل روايات عبده خال في مجملها خير ما يتقصى هذا النموذج ويبرز معاناته[13].

البنية السردية في الرواية السعودية

خضعت الرواية لكثير من المفاهيم التي تبدلت تبعا للظروف السياسية والاقتصادية وكذلك توظيف البنية السردية تنوّعت تبعا للمذاهب الأدبية والتطوّر التاريخي وتأثرت مجتمعات الغرب على الروايات وامتدت كثير من الروايات الأجنبية والأمريكية. وهذا من الواضح أن الروايات العربية عامّة والروايات السعودية خاصة تبدأ من حيث تنتهي روايات الغرب، ثم وقعت محاولة جريئة من ناحية الفنّية فكان ذلك سببا في إضطراب بنية الرواية فنا ومضمونا، وهذا الإضطراب في المفهوم لا يقتصر على الروايات السعودية وإنما كان ماثلا أيضا في الروايات العربية الأخرى[14]. يبتعد كثير من الروايات السعودية عن مفهوم الرواية الحديثة المعروفة بأنة تختلف في السرد، يصوّر حياة إجتماعية كاملة أو حياة إنسان كاملة ونجد أنها قد تزدحم بالخطابات وفيها المقالة والقصّة والخبر. ولذا لا يمكن تطبيقات على الروايات السعودية إلا بشيئ من التجوز بالتعريف الذي عرفناه[15]، على الأقل من ناحية المستوى النظري. الإختفاء أحد عناصر الرواية من البنية السردية لا تجحدها ان ينتمي إلى هذا الفن، أي الرواية. ويطالب بعض النقاد بكسر التقاليد الفنية التي تميز بنية كل نوع من أنواع السرد وأن لكل شكل سردي أصوله[16] أدى إلى تأثر بعض الروائيين بها حتى وصل الأمر إلى مخالفة القواعد الرئيسية للبنية السردية، كما قام به د. غازي القصيبي في عمله الأدبي ‘أبو شلاح البرمائي’ عندما أطلق عليه إسم رواية، وهو يعتمد في بنيتها الحوار فقط دون اعتماد آلية الراوي، مما يجعلها أقرب إلى فن المسرحية.

رواية القصيبي ‘الجنيه’ أقرب إلى فن الرواية من السابقة بأنها حكاية وكذلك رجاء عالم اعتمدت في روايتها وتوظيف الخرافة في بنيتها السردية حتى أصبح دورها وظيفيا وليس دلاليا. ويصفها أحد النقاد بأنها أقرب إلى التناص من الجنس الأدبي الذي كتبت فيه. ورواية ‘بنات الرياض’ لرجاء الصانع تمتاز في البنية السردية حيث أنها عبارة عن مقالة قصصية تعتمد على الخبر أكثر من الصورة ونجد أسلوبها من وحدة خطابها وانحصار زمنها التاريخي.

هذا لا يعني أن الرواية السعودية لم تحتل مكانة جيدة بين روايات الدول العربية فهي لا تقل عنها. الروائيون مثل حامد دمنهوري، وإبراهيم الناصر، وحمزة بوقري، وعبد العزيز مشري، وعبد الله الجفري وأمل شطا وعبد الله ثابت وتركي الحمد وعبد الله معلم لا يقل عن إخوانهم البارزين في الدول العربية، من حيث وعيهم بعناصر البناء الروائي، وحرصهم على تحقيقها[17].

ويقسم الباحث حسن الحازمي[18] الروايات السعودية في فترة التسعينات من مدخل البنية الفنية إلى ثلاثة أقسام:

  1. روايات التي إعتمدت على البناء التقليدي، مثاله؛ روايات عصام خوقير وعبده معاني والمشري.
  2. روايات التي إعتمدت على البناء التجديدي؛ وهي التي حاولت كسر بعض قوانين البنية التقليدية دون إلغائها.
  3. روايات التي إعتمدت على البناء التجريبي ولا يدرج تحتها سوى روايات رجاء عالم ورواية ‘ريحانة’ لأحمد الدويحي.

وقسمت الباحثة السحيباني[19] الروايات السعودية في فترة التسعينيات إلى روايات إعتمدت على السرد الموضوعي والسرد الذاتي والسرد المزجي. تتوزع الروايات السعودية من جهة الموضوع بين النماذج الآتية وهي:

النموذج العاطفي: ‘فكرة’ لأحمد السباعي، ‘التوأمان’ لعبد القدوس الأنصاري، ‘ثمن التضحية’ و‘مرت الأيام’ لحامد دمنهوري، ‘ثقب في رداء الليل’ و‘سفينة الضياع’ لإبراهيم الناصر وغيرها

النموذج الاجتماعي: ‘رعشة الظل’ لإبراهيم الناصر، و‘فسوق’ لعبده خال وغيرها

النموذج التحليلي: ‘العصفورية’ لغازي القصيبي، و‘الفردوس اليباب’ لليلى الجهني، و‘المغزول’ لعبد العزيز مشري وغيرها

النموذج السياسي: ظهر بتأثير إختلاط الكتاب السعوديين بالكتّاب من الدول المجاورة ولم يظهر هذا النوع بوضوح إلا في فترة التسعينيات مع دخول رجال الصحافة والأكادميين مجال السرد مثل روايات تركي الحمد ورواية ‘الإرهابي 20’ لعبد الله ثابت.

المصادر والمراجع


[1] : القشمعي، محمد بن عبد الرزاق، الرواية العربية وبدايتها في المملكة، ص: 11،  مجلّة الجوبة، العدد: 35، ربيع 1433 هـ – 2012 م، مؤسسة عبد الرحمان السديري الخيرية، المملكة العربية السعودية.

[2] : أبو هيف، د. عبد الله، شأة الرواية السعودية وتطورها تاريخياً ونقدياً، صحيفة الرياض اليومية الصادرة من مؤسسة اليمامة الصحفية،  4 جمادي الأخر 1430هـ – 28 مايو 2009م – العدد 14948، ووصلها 15 أبريل 2015.

[3] : ص: 14، البطل في الرواية السعودية، د. حسن الحازمي

[4] : ص:22، البنية السردية في الرواية السعودية، نوره بنت محمد بن ناصر المرّي، فرع الأدب، جامعة أم القرى، السعودية، 2008

[5] : ص 126، القحطاني، سلطان سعد، الرواية في المملكة العربية السعودية، نشأتها وتطورها، من 1930 إلى 1989: دراسة تاريخية نقدية. الرياض، مطابع شركة الصفحات الذهبية، 1998م.

[6] : ص: 136، المرجع السابق

[7] : ص: 17، د. حسن الحازمي، البناء الفني في الرواية السعودية في الفترة من 1400-1418 هـ (دراسة نقدية تطبيقية)، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 2003

[8] : ص 31 -32، الحازمي، منصور. فن القصة في الأدب السعودي الحديث، دار العلوم،  الرياض، 1981.

[9] : مراحل تطور الرواية السعودية، د. حسن النعمي، موقع شذرات عربية، ووصلها 15 أبريل 2015

[10] : المرجع السابق

[11] : ربيع الرواية السعودية: جاذبية الخطاب الروائي ودلالاته، أ.د. معجب الزهراني، ص: 27،  مجلّة الجوبة، العدد: 35، ربيع 1433 هـ – 2012 م، مؤسسة عبد الرحمان السديري الخيرية، المملكة العربية السعودية.

[12] : الدراسات عن ما بعد الحداثة تؤكد هذه الطاهرة ويرجى زيارة صفحة ‘ما بعد الحداثة’ في الموسوعة الحرّة ويكيبيديا

[13] : المرجع السابق.

[14] : ص:25، البنية السردية في الرواية السعودية، نوره بنت محمد بن ناصر المرّي، فرع الأدب، جامعة أم القرى، السعودية، 2008

[15] : المرجع السابق

[16] : ص: 13، السرد في الرواية المعاصرة، عبد الكريم الكردي

[17] : ص: 36، البطل في الرواية السعودية، د. حسن الحازمي

[18] : : ص: 30، د. حسن الحازمي، البناء الفني في الرواية السعودية، 2003  

[19] : ص: 16، د. مها السحيباني، التقنيات السردية في الرواية السعودية المعاصرة (من1410هـ إلى1420هـ/1990م إلى 2000م)، جامعة القصيم، المملكة العربية السعودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *